للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سمع منه على إثبات أصل سماعه ممن أمكن لقاؤه له، ولا أدري هل يلتزم بهذا من يذهب مذهب مسلم أو لا؟ فإن مسلماً اشترط عدم التدليس، ولم يفصّل، وإن لم نثبت له سماعاً ممن روى عنه لكونه يدلس عمن سمع منه كنا قد نقلناه إلى النوع الأشد والأقبح من التدليس، وهو روايته عمن عاصره ولم يسمع منه، مع أن الثابت عنه التدليس من النوع الأدنى.

ومما ينبغي ذكره هنا أن هذا الإشكال لا يرد على ما تحرر عن جمهور العلماء أنهم لا يثبتون سماع الراوي ممن روى عنه مع إمكان اللقاء إلا بوجود التصريح بالتحديث، سواء كان الراوي مدلساً أو غير مدلس على ما مضى شرحه في الفصل الثاني، فتوقفهم إذا لم يوجد تصريح بالتحديث ليس سببه التدليس، بل لأن السماع لم يثبت، وليس كل راوٍ عمن عاصره ولم يسمع منه يعدّ مدلساً، كما سيأتي شرحه في المبحث الثاني.

وأما الحالة الأولى ـ وهي ما إذا وصف شخص بالتدليس والمراد تدليسه عمن عاصره ولم يسمع منه هل تقبل روايته عمن سمع منه مطلقاً؟ ـ فأول من رأيته أشار إلى هذه المسألة الحافظ ابن حجر، فإنه قال حين ذكر المرتبة الأولى من مراتب المدلسين، وهم الذين وصفوا بالتدليس على الندرة: "والغالب أن إطلاق من أطلق ذلك عليهم تجوّز من الإرسال إلى التدليس" (١).

وأطلق عليه تجوّزاً لأنه رجح أن التدليس خاص بمن روى عمن سمع منه


(١) "النكت على كتاب ابن الصلاح" ٢: ٦٣٦.

<<  <   >  >>