شيئاً لم يسمعه منه، وقد تقدم آنفاً مناقشته في ذلك، لكن الشاهد هنا هو أنه أشار إلى نوع التدليس الذي رمي به الراوي حين البحث في روايته المعينة.
وفي العصر الحاضر رأيت بعض الباحثين صرح بما أشار إليه ابن حجر، فذهبوا إلى أن الراوي إذا رمي بالتدليس والمقصود بذلك تحديثه عمن عاصره ولم يسمع منه، فروايته عمن سمع منه مقبولة مطلقاً، وإن لم يصرح بالتحديث.
وهذه المسألة مرتبطة أيضاً ارتباطاً قوياً بمسألة كيفية ثبوت أصل سماع الراوي ممن روى عنه الماضي بحثها في الفصل الثاني، ومن لم يتفطن لذلك وقع في التناقض، فأحد الباحثين خصص بحثاً مطولاً مستوعباً بحث فيه كيفية ثبوت أصل سماع الراوي الثقة ممن روى عنه، ورجح فيه أن كبار الأئمة ـ كشعبة، ويحيى القطان، وعبدالرحمن بن مهدي، وأحمد، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي حاتم، وأبي زرعة ـ يشترطون لذلك في المدلس وغير المدلس ثبوت التصريح بالسماع، وبعضهم اكتفى بثبوت اللقاء، خلافاً لمسلم في اكتفائه بإمكان اللقاء مع سلامة الراوي من التدليس، ثم قطع الباحث هنا بأن من رمي بالتدليس والمقصود به تدليسه عمن عاصره ولم يسمع منه، إذا ثبت سماعه ممن روى عنه ولو مرة واحدة فباقي رواياته لا تحتاج إلى تصريح بالتحديث، وعلى هذا فليس هناك فرق بين المدلس على هذه الصورة وغير المدلس، فإذا صرحا بالتحديث ولو مرة واحدة قبلت رواياتهما مطلقاً وإن لم يصرحا بالتحديث، مع أن كلام الأئمة كله يدور حول وجود فرق بينهما، وهذا الفرق لا يتحقق إلا بأحد أمرين، إما بترجيح رأي مسلم في الاكتفاء بإمكان اللقاء من غير المدلس،