واشتراط التصريح بالتحديث من المدلس، وإما بأن يشترط فيهما جميعاً التصريح بالتحديث لإثبات أصل السماع، ثم يفرق بينهما بأن عنعنة غير المدلس بعد ذلك مقبولة، وأما المدلس فيتوقف فيه، ويحتاج إلى نظر خاص.
ولا شك أن التدليس ـ وهذه المسألة بخصوصها ـ من مضايق مسائل هذا الفن، والذي أراه هنا أن التدليس بابه واحد، وأن من عرف بالتدليس واشتهر به في الصورتين أو إحداهما أخذ حكم المدلس بصفة عامة، وذلك لسببين:
الأول: من العسير جداً بالنسبة للمعروفين بالتدليس إثبات أن ذاك المدلس لا يرتكب سوى التدليس الذي هو الرواية عن معاصر لم يسمع منه، وقد ذكر أحد الباحثين مثالاً لذلك: الحسن البصري، وقتادة بن دعامة، وذكر باحث آخر أبا إسحاق السبيعي، وذكر باحث ثالث سعيد بن أبي عروبة.
وهؤلاء الأربعة تبين بالتتبع أنهم ارتكبوا التدليس بالصورة الثانية أيضاً، وهي التدليس عمن سمع منه، وسيأتي في ثنايا مباحث التدليس أمثلة لهذا.
الثاني: كلام الأئمة في حكم رواية المدلس ليس فيه التفصيل المذكور، فمن ذكر منهم حكم رواية المدلس ذكره بإطلاق، ولم يفرق بين تدليس وتدليس، ويتأكد ذلك إذا عرفنا أن إطلاق التدليس على من روى عمن عاصره ولم يسمع منه مشتهر عندهم جداً، بل نص بعض الأئمة على أنه أكثر شناعة من التدليس عمن سمع منه كما تقدم في أول هذا المبحث، فلو كان هذا التفصيل الذي ذكره بعض الباحثين موجوداً لنصوا عليه.