وبعد ابن حجر تبارى عدد من الباحثين في الاستدراك عليه، سائرين على منهجه، فاستدرك أحد الباحثين عليه ثمانين راوياً، لم يذكرهم في "تعريف أهل التقديس"، ومن الطريف في الأمر أنهم استدركوا الحافظ ابن حجر نفسه، فإنه قد وصف بتدليس الشيوخ.
وحجة هؤلاء الأئمة ومن تابعهم ظاهرة، خلاصتها أن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ، فمتى وجدت صورة التدليس فهو تدليس، وكونه لم يرد عن أحد من المتقدمين لا تأثير له، مع احتمال أن يكونوا قد وصفوا بذلك ولم يبلغنا كلامهم.
ولا شك أن هذا التوسع في الوصف بالتدليس من هؤلاء الأئمة، لاسيما من الحافظ ابن حجر في كتابه هذا الذي أصبح مرجعاً معتمداً لدى كثير من المتكلمين في التصحيح والتضعيف، وما صاحب ذلك من تشديد في قبول رواية المدلس إذا لم يصرح بالتحديث، كما سيأتي شرحه في المبحث التالي ـ قد ولَّد ردة فعل قوية لدى باحثين آخرين، فصاروا يعيدون النظر في عمل من قبلهم، ويبرز في هذا الصدد رأيهم في هذه المسألة، إذ توارد عدد من الباحثين على القول بأن من لم يوصف بالتدليس من أحد من الأئمة ـ وإن وجد ذلك في رواياته ـ لا ينبغي أن يوصف بالتدليس، وعليه فلا يأخذ حكم المدلسين، قال أحد الباحثين بعد كلام له:"وعلى هذا فلا يرمى الراوي بالتدليس بمجرد الوقوف على ما يظن أنه دلَّسه ... ، والمعتمد في ذلك على كلام أئمة الجرح والتعديل، وأهل الشأن، هل وصموا هذا الراوي بالتدليس أم لا؟ كما هو الحال في التعديل والتجريح، والله أعلم".