وهل قصد الإيهام أو لا شبه متعذر في أغلب الأحيان، وعليه فينبغي حينئذٍ الوقوف عند أحكام أئمة النقد الأولين.
ثم إن ابن رشيد قد ذكر من وجوه الاحتمالات في عدم تسمية ما وقع من الصحابة تدليساً ـ أنهم قد يكونون أتوا بلفظ مفهم لذلك ـ يعني للإرسال ـ فاختصره من بعدهم، وهذا المعنى ينطبق تماماً على من بعد الصحابة، وفي نظري أنه أهم سبب مانع من تسمية كل ما جاء على صورة التدليس تدليساً، فقد تكون صيغة الرواية في الأصل صريحة في عدم الاتصال، كأخبرت عن فلان، أو بلغني عن فلان، ثم يتم تغييرها فيما بعد إلى صيغة (عن)، كما يتم ذلك في الصيغ الصريحة في الاتصال، وقد تقدم شرح هذا وبيانه في المبحث الأول من الفصل الأول، وذكرت هناك مثالاً على ذلك وهو قول أحمد إن كل روايات محمد بن سيرين عن ابن عباس فيها: نبئت عنه، لكن الموجود في الكتب أنه يروي عنه بالعنعنة في الغالب، وهو قد عاصره وأمكن سماعه منه، لكن لم يسمع منه، فلا يصح وصفه بالتدليس بمجرد هذا، وإن كانت صورته صورة التدليس، إذ قد تبين أن الرواية بصيغة (عن) من تصرف الرواة بعد ابن سيرين.
ومن الأمثلة أيضاً ما رواه معاذ بن هشام، ووكيع، ويزيد بن هارون، وإسحاق الأزرق، وغيرهم عن هشام بن أبي عبدالله الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أنس قال: " كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أفطر عند أهل