للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أمره، يقول: متصل" (١)، وفي لفظ له: "كان شعبة يعجبه مثل هذا الإسناد - يعني: أخبرني، قال: أخبرني-" (٢).

ولا شك أن ما ذهب إليه هؤلاء أكثر احتياطاً للسنة النبوية، وأقرب إلى التثبت فيها، ولكن اشتراط ذلك يؤدي إلى مفسدة أعظم، إذ قد كثر من الرواة - كما تقدم آنفاً - عدم التصريح بالتحديث تخففاً خشية طول الإسناد، فاشتراط ذلك حينئذٍ يؤدي إلى مفسدة عظمى، وهي طرح كثير من السنن الثابتة، قال ابن رشيد: "مقتضى النظر كان التوقف في هذا المعنعن حتى تُعلم صحةُ سماعه في كل حديث حديث، لما علم من أئمة الصناعة نقلاً من أنهم كانوا يكسلون أحياناً فيرسلون، وينشطون تارة فيسندون، لكن لما تعذر ذلك وشق تعرفه مشقة لا خفاء بها اقتنع بما ذكرناه من معرفة السماع في الجملة، مع السلامة من وصمة التدليس، معتضداً ذلك بقرينة شهادة بعضهم على بعض بقولهم: فلان عن فلان، المفهمة قصد الاتصال" (٣).

وقال أيضاً: "وهذا المذهب - وهو اشتراط التحديث في كل رواية - وإن قلَّ القائل به بحيث لا يسمى ولا يعلم - فهو الأصل الذي كان يقتضيه الاحتياط ... ، ولو اشترط ذلك لضاق الأمر جداً، ولم يتحصل من السنة إلا النزر اليسير، فكأن الله تعالى أتاح الإجماع عصمة لذلك، وتوسعة علينا،


(١). "مسند الحميدي" حديث (٥٦٣).
(٢). "مسند الحميدي" حديث (٥٦٣)، و"سنن الدارمي" حديث (١٨٦٩)، و" الجعديات"
١: ١٤، وانظر: "حلية الأولياء" ٧: ١٥٣.
(٣). "السنن الأبين" ص ٣١.

<<  <   >  >>