للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا القول - وهو مطالبة المعروف بالتدليس بالتحديث - نقل ابن عبدالبر الإجماع عليه، فقد قال بعد أن ذكر توقف شعبة في بادئ الأمر عن قبول الإسناد المعنعن من المدلس وغيره: "وقد أعلمتك أن المتأخرين من أئمة الحديث، والمشترطين في تصنيفهم الصحيح، قد أجمعوا على ما ذكرت لك (يعني قبول الإسناد المعنعن)، وهو قول مالك وعامة أهل العلم - والحمد لله -، إلا أن يكون الرجل معروفاً بالتدليس، فلا يقبل حديثه حتى يقول: حدثنا، أو سمعت، فهذا ما لا أعلم فيه أيضاً خلافاً" (١).

والمتتبع لموقف الأئمة من المدلسين يرى بوضوح أن مذهبهم هو ما أجاب به علي بن المديني، ونقل ابن عبدالبر الإجماع عليه، وهو الأقرب لتفسير عبارة أحمد، وابن معين، فهم يشترطون تصريح المدلس بالتحديث أو ما يقوم مقامه، ولكن من كثر منه التدليس حتى عرف به واشتهر عنه.

وقد تقدم في المبحث الرابع شيء من كلام الرواة في خصوص مشايخهم المدلسين، وتفقدهم لتصريحهم بالتحديث، كشعبة، ويحيى القطان مع شيوخهما، ومحمد بن فضيل مع المغيرة بن مقسم، وعبدالرحمن بن مهدي مع المبارك بن فضالة، ويزيد بن زريع مع يونس بن عبيد، وعفان بن مسلم مع عمر بن علي المقدمي، وغيرهم، بل إن بعضهم يتفقد السماع من شيخ شيخه إذا كان مدلساً.

وقال محمد بن سعد في هشيم: "كان ثقة، كثير الحديث، ثبتاً، يدلس كثيراً، فما قال في حديثه: أخبرنا، فهو حجة، وما لم يقل فيه: أخبرنا، فليس


(١). "التمهيد" ١: ١٣.

<<  <   >  >>