والحقيقة أن ما توصل إليه هذا الباحث قد آلمني كثيراً، أن يتولى دراسة مثل هذه المسألة من يهبط إلى هذا المستوى: ابن حجر معترف بأن لفظ الروايتين مختلف، ويرجح أنهما حديثان مختلفان، أحدهما في طواف الإفاضة يوم النحر، والآخر في طواف الوداع، فالبخاري أخرج - إذاً - بالإسنادين قصتين مختلفتين، كلتاهما أصل.
خطأ في الفهم، ومجازفة في الاستدلال، أما الاستدلال فظاهر، فإننا لو افترضنا - جدلاً - أن ابن حجر يقرر هذا فهل يصح أن يحاسب البخاري بما يقرره ابن حجر؟ ولنقطع النظر عن كلام ابن حجر، وكأننا في العصر الذي قبله: ما صفة إخراج البخاري للإسناد الثاني أصل أم متابعة؟ المبتدئ في هذا العلم - كما قدمت - يدرك لأول وهلة أنه أخرجه متابعة، وأنه ساق الإسناد المتصل أولاً ليوضح اعتماده عليه، وأن الواسطة بين عروة، وأم سلمة معروفة، وهي زينب بنت أم سلمة، وقد ساق الإسناد المتصل في مواضع من " صحيحه"(١)، وأما الإسناد الذي ليس فيه زينب فلم يخرجه إلا في هذا الموضع، وساق لفظه من أجل زيادة فيه، وهي أن أم سلمة لم تصل ركعتي الطواف حتى خرجت، فإن هذه الزيادة ليست في الإسناد الأول في جميع مواضعه، وهي جزء موقوف من الحديث من فعل أم سلمة.
فظهر من هذا أن البخاري لا غرض له من سوق الإسناد الأول إلا ليبين فيه الواسطة بين عروة، وأم سلمة، وأنه تسامح في إخراج الإسناد الثاني لهذا السبب، ولا سيما أن ما فيه من الزيادة موقوف.
(١). " صحيح البخاري " حديث (٤٦٤)، (١٦١٩)، (١٦٣٣)، (٤٨٥٣).