للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكن معروفاً من قبل، فالأئمة النقاد لم يكونوا يفتشون عن السماع إذا كان الراوي ثقة غير مدلس، وأمكن له اللقي.

وساق مسلم لهذا الغرض عدداً من الأسانيد على هذه الصفة، جاءت بها أحاديث، "وهي أسانيد عند ذوي المعرفة بالأخبار والروايات من صحاح الأسانيد، لا نعلمهم وهنوا منها شيئاً قط، ولا التمسوا فيها سماع بعضهم من بعض" (١).

وذكر مسلم للقول الآخر حجة واحدة وهي خشية أن يكون مرسلاً حيث لم يثبت السماع، ثم نقض هذه الحجة عن طريق الإلزام، فقد ألزم من قال بذلك أن لا يحكم بالاتصال إذا كانت الرواية معنعنة وإن ثبت السماع بين الراويين، لاحتمال الإرسال أيضاً، وساق من أجل ذلك جملة من الأحاديث، جاءت من طرق عن رواة غير مدلسين سمعوا ممن رووا عنه بدون واسطة، وجاءت من طرق أخرى عنهم بواسطة بينهم وبين من رووا عنه، والراجح - كما يقول مسلم - أن إسقاط الواسطة منها إرسال، فالاحتمال في كل عنعنة موجود إذاً، فيلزم حينئذٍ - من أجل احتمال الإرسال - أن لا تقبل العنعنة أصلاً.

وقد تعرض لهذه المسألة بعد مسلم أئمة كثيرون، وباحثون معاصرون، بل من الأئمة والباحثين من أفرد لها مؤلفاً خاصاً، فابن رشيد ألف فيها كتابه: "السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في الإسناد المعنعن" أحكمه أيما إحكام، وقد طبع الكتاب.


(١). "صحيح مسلم" ١: ٣٥.

<<  <   >  >>