للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: فالمؤمن قد يبلغ بنيته ما لا يبلغه بعمله، وهؤلاء قوم علم الله في قلوبهم الصدق فأنزل الوحي ليستدرك ما يشمل أعذارهم ويشركهم بالأجر والفضيلة.

وفي صحيح البخاري عن أنس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن بالمدينة أقوامًا ما سِرْتُم من مسير ولا قطعتم من وادٍ إلا وهم معكم فيه. قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال: نعم حَبَسَهُم العذر] (١).

وقوله: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً}.

قال ابن جريج: (على أهل الضرر). وقال ابن جرير: (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم، على القاعدين من أولي الضرر، درجة واحدة -يعني: فضيلة واحدة- وذلك بفضل جهاده بنفسه، فأما فيما سوى ذلك، فهما مستويان).

وقوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}. قال السدي: (الجنة).

وقوله: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}. تأكيد لرجوح مباشرة الجهاد وقتال الأعداء، فإن ركوب أهوال الحرب ودخول ساحات الموت له ثوابه الخاص عند الله.

ففي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن في الجنة مئة درجة أعدّها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن، ومنه تتفجر أنهار الجنة] (٢).

وقوله: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.

تأكيد لدرجات اختصهم الله بها في الآخرة من درجات الجنة، رفعهم بها سبحانه على القاعدين لقاء ما أبلوا في ذات الله أثناء مواجهة الأعداء في ساحات القتال.

قال قتادة: (كان يقال: الإِسلام درجة، والهجرة في الإِسلام درجة، والجهاد في الهجرة درجة، والقتل في الجهاد درجة).

وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أيا أبا سعيد، من رضي بالله ربا، وبالإِسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا ونبيًّا، وجَبت له الجنة. قال: فعَجِبَ لها أبو سعيد، فقال: أعِدْها عليَّ يا رسول الله، ففعل، ثم قال


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٨٣٩)، و (٤٤٢٣)، وأخرجه أحمد (٣/ ١٠٣)، وغيرهم.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٢٧٩٠)، ورواه أحمد في المسند، وقد مضى.

<<  <  ج: ص:  >  >>