للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القوي المهيمن الجبار الأحد الصمد القدير. لا يعجزه شيء في هذا الكون الفسيح، وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون.

ففوله: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}.

قال ابن عباس: (يوم ينفع الموحدين توحيدهم).

قال القرطبي: (أي صدقهم في الدنيا، فأما في الآخرة فلا ينفع فيها الصدق). وأواد بذلك صدق العمل لله وتصديق الرسل. وقال غيره: (المراد صدقهم في الآخرة، وذلك في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ، وفيما شهدوا به على أنفسهم من أعمالهم، ويكون وجه النفع فيه أن يُكفوا المؤاخذة بتركهم كتم الشهادة، فيغفر لهم بإقرارهم لأنبيائهم وعلى أنفسهم).

قلت: والآية تدل من السياق على أن الصدق المنجي للعبد يوم القيامة هو صدق التوحيد لله سبحانه وصدق إخلاص العمل لوجهه واتباع منهاج رسله، وإن كانت بعض المواقف يفيد فيها النطق بالحق يوم القيامة، كالشهادة للرسل بالبلاغ، وكقصة أصحاب الأعراف، ولكن هذا لا يكفي وحده للنجاة يوم الحساب ما لم يكن يسبقه صدق الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله.

أخرج أبو يعلى والبزار بسند صحيح في الشواهِد، عن أنس قال: [قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل: يا فلان! فعلت كذا؟ قال: لا والذي لا إله إلا هو! والنبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم أنه قد فعله، فقال له: إنّ الله قد غفر لك كَذِبَكَ بتصديقك بـ "لا إله إلا الله"] (١).

وروى أحمد وأبو داود نحوه، وفي لفظه: [فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قد فعلت، ولكن غُفِرَ لك بإخلاصك قول: لا إله إلا الله] (٢).

وأصل معناه في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:


(١) حديث صحيح في الشواهد. أخرجه البزار (٤/ ٧/ ٣٠٦٨)، وأبو يعلى في "مسنده" (٦/ ١٠٤/ ٣٣٦٨)، والبيهقي في "السنن" (١٠/ ٣٧)، وانظر مسند أحمد (٢/ ٦٨)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة -حديث رقم- (٣٠٦٤).
(٢) صحيح لشواهده. أخرجه أحمد (١/ ٢٥٣)، (١/ ٢٨٩)، (٢/ ٧٠)، وأخرجه أبو داود (٣٢٧٥) من حديث ابن عباس، وكذلك أخرجه أبو داود (٣٦٢٠) عن أبي الأحوص -مختصرًا-.

<<  <  ج: ص:  >  >>