في هذه الآيات: إِخْبَارٌ من الله تعالى عن كفر المشركين ومعاندة المكذبين، وأن الآيات لم تنفع مع عنادهم وكبرهم، ولا بد أن يروا مغبة استهزائهم ويذوقوا وبال استهتارهم. فهل نسوا القرون التي سبقتهم والأمم التي سلفتهم، وقد أمددناهم بأسباب القوة والتمكين من الأموال والأولاد والجنود والملك والجاه والقوة -ما لم نمكن لهؤلاء الذين خلفوهم وساروا على منهاجهم في الكفر والعناد والتكذيب-، إضافة إلى تكثير أمطار السماء وتفجير ينابيع الأرض استدراجًا لهم وإملاءً إلى أجل، فلما جاء أجلهم أهلكناهم بسيئاتهم فكانوا كأمس الذاهب وصيرناهم أحاديث للناس على مدار الزمان، وأنشأنا من بعدهم جيلًا جديدًا وأمة تلو أمة.
فقوله:{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ}.
أي: علامة ودلالة، كانشقاق القمر، والإسراء والمعراج، وآيات القرآن فيها خبر الأمم السالفة وما نزل بهم بسبب بغيهم، وغيرها {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} الدالة على وحدانيته وحقيقة نبوتك يا محمد {إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ}.
قال القرطبي:(والإعراض ترك النظر في الآيات التي يجب أن يستدلوا بها على توحيد الله جل وعز من خلق السماوات والأرض وما بينهما، وأنه يرجع إلى قديم حي غني عن جميع الأشياء، قادر لا يعجزه شيء، عالم لا يخفى عليه شيء من المعجزات التي أقامها لنبيّه -صلى الله عليه وسلم-، ليُستَدلّ بها على صدقه في جميع ما أتى به).
وقوله:{فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} - المراد مشركو مكة حين كذبوا بالحق: وهو القرآن، أو محمد -صلى الله عليه وسلم-.