فقوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}.
قال ابن عباس: (كل زعم في القرآن فهو كذب). وعلى ذلك فللآية تأويلان:
التأويل الأول: أي لا يفلح الظالمون في الدنيا ولا يوم نحشرهم. فهو متصل مع الآية السابقة.
التأويل الثاني: أي انظر كيف يكذبون يوم نحشرهم. فهو متعلق بما بعده.
وقوله: {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ}.
قال القرطبي: (سؤال إفضاح لا إفصاح).
وقوله: {الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}.
أي: أنهم شركاء وشفعاء، وهذا توبيخ لهم.
قال القاسمي: (فالقصد من السؤال توبيخهم وتقريعهم، وأن يقرر في نفوسهم أن ما كانوا يرجونه مأيوس منه). وفي التنزيل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: ٦٢].
وقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}.
قال ابن عباس: ({ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ}: قولهم). وقال قتادة: (مقالتهم). وقال غيره: (معذرتهم).
والمقصود: اعتذارهم بالباطل والكذب. وقال أبو إسحاق الزجاج في تأويل ذلك: (تأويل هذه الآية لطيف جدًّا، أخبر الله عز وجل بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم، ثم أخبر أن فتنتهم لم تكن حين رأوا الحقائق إلا أن انتفوا من الشرك).
وقد أجاد الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية حيث قال: (الفتنة الاختبار، أي لم يكن جوابهم حين اختبروا بهذا السؤال، ورأوا الحقائق، وارتفعت الدواعي: {إِلَّا أَنْ قَالوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}. تبرؤوا من الشرك وانتفوا منه لما رأوا من تجاوزه ومغفرته للمؤمنين. قال ابن عباس: يغفر الله تعالى لأهل الإخلاص ذنوبهم، ولا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره، فإذا رأى المشركون ذلك، قالوا إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك فتعالوا نقول إنا كنا أهل ذنوب ولم نكن مشركين، فقال الله تعالى: أما إذْ كتموا الشرك فاختموا على أفواهِهم، فيختم على أفواههم، فتنطق أيديهم وتشهد