للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو في حقيقته تَنَزُّلٌ من الشياطين عليهم نتيجة انحراف مناهجهم فسلطهم الله عليهم كما قال جلت عظمته في سورة الشعراء: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (٢٢٣)}.

قال القرطبي: (قلت: ومن هذا النَّمط من أعرض عن الفقه والسّنَن وما كان عليه السلف من السنن فيقول: وقع في خاطري كذا، أو أخبرني قلبي بكذا، فيحكمون بما يقع في قلوبهم ويغلب عليهم من خواطرهم، ويزعمون أن ذلك لصفائها من الأكدار وخلوّها عن الأغيار، فتتجلّى لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكليات ويعلمون أحكام الجزئيات فيَستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات، ويقولون: هذه الأحكام الشرعية العامة، إنما يحكم بِها عَلى الأغبياء والعامة، وأما الأولياء وأهل الخصوص، فلا يحتاجون لتلك النصوص. وقد جاء فيما ينقلون: "استفت قلبك وإن أفتاك المُفْتون" (١) ويستدلون على هذا بالخَضِر، وأنه استغنى بما تجلّى له من تلك العلوم، عما كان عند موسى من تلك الفهوم. وهذا القول زَنْدَقَةٌ وكفر، يقتل قائله ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب، فإنه يلزم منه هدّ الأحكام وإثبات أنبياء بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم -).

وقوله: {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}.

قال ابن كثير: (يعني: ومن ادّعى أنه يُعارض ما جاء من عند الله من الوحي بما يفتريه من القول، كما قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا. . .} [الأنفال: ٣١]).

وقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ}

قال ابن عباس: (هذا عند الموت. و"البسط"، الضرب، يضربون وجوههم


(١) حسن لشواهده. هو بعض حديث أخرجه أحمد (٤/ ٢٢٨)، وأبو يعلى (١٥٨٦) عن وابصة بن مَعْبد، وللحديث شواهد، ولذلك حسنه النووي في الأربعين ح (٢٧)، وكذلك ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص (٢٢٠)، بعد أن أفاض في تخريجه، وأنه ورد من حديث أبي ثعلبة الخشني، وإسناده جيد، ومن حديث واثلة، وأبي هريرة، وغيرهم.
والحديث يدل على الاستئناس بما يطمئن إليه القلب عند اختلاف الفتوى من أهل العلم، واختلاف الاستدلال، وعدم وضوح الحلال من الحرام نتيجة الاجتهادات المختلفة في فهم النصوص الشرعية، فإن للحق نورًا يسطع في قلب المؤمن، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}، وكقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}. أي نورًا يفرق به بين الحق والباطل.

<<  <  ج: ص:  >  >>