للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأدبارهم). قال: {الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ}، وملك الموت يتوفاهم).

وقال الضحاك: {فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ}، يعني سكرات الموت).

وأصل الغَمْرة الشيء الذي يغمرُ الأشياء فيغطيها، ومنه قولهم: غَمَرَه الماء. ثم استعملت في الشدائد والمكاره. ومنه غمرات الحرب. قال الجوهري: (والغَمْرَة الشدة).

وقوله: {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ}.

قال القرطبي: (أي: خلصوها من العذاب إن أمكنكم، وهو توبيخ. وقيل: أخرجوها كرهًا، لأن روح المؤمن تَنْشَطُ للخروج للقاء ربه، وروح الكافر تُنْتَزَعُ انتزاعًا شديدًا).

وقوله: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ}.

قال ابن كثير: (وذلك أن الكافر إذا احْتُضِرَ بشَّرته الملائكة بالعذاب والنَّكال، والأغلال والسَّلاسِل، والجحيم والحميم، وغضب الرحمن الرحيم، فتتفرَّق روحُه في جسده، وتَعْصِي وتأبى الخروج، فتضم بهم الملائكة حتى تخرجَ أرواحُهم من أجسادهم، قائلين لهم: {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} .. الآية، أي: اليوم تُهانون غايةَ الإهانة، كما كنتم تُكَذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته، والانقياد لرسله).

قلت: وقد جاءت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى، في أحاديث:

الحديث الأول: أخرج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم والطيالسي بسند صحيح من حديث البراء: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه - أي: رأس الكافر أو الفاجر - فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبلول، فتقطع معها العروق والعصب] (١).

الحديث الثاني: أخرج ابن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [فإذا كان الرجل السوء قال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة، كانت في الجسد


(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٤/ ٢٨٧)، وأبو داود (٢/ ٢٨١)، والنسائي (١/ ٢٨٢)، وابن ماجه (١/ ٤٦٩)، وأخرجه الحاكم (١/ ٣٧ - ٤٠) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وانظر رواياته المختلفة في: أحكام الجنائز ص (١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>