للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}.

أخرج الإمام أحمد في المسند، بسند صحيح، عن عبد الله، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إن أول الآيات خروجًا طلوعُ الشمس من مغربها، وخروج الدابة ضُحًى، فأيَّتُهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها. ثم قال عبد الله - وكان يقرأ الكتُب -: وأظن أُولاها خروجًا طلوعَ الشمس من مَغْربها، وذلك أنها كلما غَرَبَتْ أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع، فَأُذِنَ لها في الرجوع، حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها فَعَلت كما كانت تَفْعَلُ، أتت تحت العرش فَسَجَدَت واستأذنَتْ في الرجوع، فلم يَرُدَّ عليها شيءٌ، ثم تستأذنُ في الرجوع فلا يرد عليها شيء، ثم تستأذِنُ فلا يرد عليها شيء، حتى إذا ذهبَ من الليل ما شاء أن يذهب، وعَرَفت أنه إنْ أُذِنَ لها في الرجوع لم تدرك المشرق، قالت: ربي، ما أبعد المشرق! من لي بالناس؟ حتى إذا صار الأفقُ كأنه طوق استأذنت في الرجوع، فيُقال لها: من مكانك فاطْلعي. فطَلَعت على الناس من مَغْرِبها. ثم تلا عبد الله هذه الآية: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}. . . الآية] (١).

والمعنى: إذا كانت هذه الآية ورآها الناس فيومئذ لا يقبل الله من الكافر إيمانًا لو أنشأه، ولا يقبل من المسلم توبة يستأنفها، وإنما مصيره على ما كان منه من العمل، فلا سبيل لكسب عمل صالح جديد إذا لم يكن عاملًا به قبل ذلك.

وقوله: {قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ}.

قال الحافظ ابن كثير: (تهديد شديد للكافرين، ووعيدٌ أكيدٌ لمن سَوَّف بإيمانه وتوبته إلى وقتٍ لا ينفعه ذلك. وإنما كان هذا الحكم عند طلوع الشمس من مغربها، لاقتراب وقت القيامة، وظهور أشراطها، كما قال: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد: ١٨]. وقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا. . .} الآية [غافر: ٨٤, ٨٥]).


(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٢/ ٢٠١) بتمامه. والمرفوع منه أخرجه مسلم (٢٩٤١)، وكذلك أخرجه أبو داود في السنن (٤٣١٠)، وابن ماجه أيضًا (٤٠٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>