للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقسام: تارة يتركها لله، فهذا تكتب له حسنة على كَفِّه عنها لله تعالى، وهذا عَمَلٌ ونيَّةٌ. ولهذا جاء أنه يُكْتَبُ له حسنةٌ. كما جاء في بعض ألفاظ الصَّحيح: "فإنما تركها من جَرَّائي، أو: من أجلي" (١). وتارة يترُكها نِسيانًا وذُهولًا عنها، فهذا لا لَهُ ولا عَلَيْه، لأنه لم يَنْوِ خيرًا ولا فَعَلَ شرًّا. وتارةً يتركها عَجْزًا وكسلًا عنها بعد السَّعي في أسبابها والتَّلَبُّس بما يَقْرُبُ منها، فهذا يتنزَّلُ منزلة فاعِلها، كما جاء في الحديث، في الصحيحين: "إذا تواجَهَ المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتولُ في النار. قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كانَ حريصًا على قَتْلِ صاحبه" (٢)).

وقوله: {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.

قال ابن جرير: (ولا يظلم الله الفريقين، لا فريق الإحسان، ولا فريق الإساءة، بأن يجازي المحسن بالإساءة، والمسيء بالإحسان، ولكنه يجازي كلا الفريقين من الجزاء ما هو له، لأنه جل ثناؤه حكيمٌ لا يضع شيئًا إلا في موضعه الذي يستحق أن يضعه فيه، ولا يجازي أحدًا إلا بما يستحق من الجزاء).

وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

قرأها قراء المدينة وبعض قرّاء البصرة {قَيِّمًا} - كقوله تعالى في سورة التوبة ويوسف والروم: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}. وكقوله في سورة البينة: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}. في حين قرأها قراء الكوفة: {دينا قِيَمًا} بالتخفيف. قال أهل اللغة: (القَيِّمُ والقِيَمُ بمعنى واحد)، والمراد الدين المستقيم.

ومن ثم فيكون قوله: {دِينًا} - قد نصب على الحال، أو نصب بهداني، أو يكون بدلًا من الصراط. والتأويل: هداني صراطًا مستقيمًا دينًا، وهو الدين الحق، ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، دين الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وفي التنزيل: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي


(١) حديث صحيح. وهو قطعة من حديث أبي هريرة، أخرجه الإمام مسلم في الصحيح (١٢٩).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣١)، (٧٠٨٣)، ومسلم (٢٨٨٨)، وأبو داود (٤٢٦٨)، وأخرجه النسائي (٧/ ١٢٥)، وأحمد (٧/ ٤٦ - ٤٧، ٥١)، وابن حبان (٥٩٤٥)، وأخرجه البيهقي (٨/ ١٩٠) - من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>