للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: (ذُكر أن ابنًا لمحمد بن سيرين بنى دارًا وأنفق فيها مالًا كثيرًا، فَذُكِرَ ذلك لمحمد بن سيرين فقال: ما أرى بأسًا أن يبني الرجل بناء ينفعه. ثم ذكر القرطبي الحديث السابق، وقال: ومن آثار النعمة البناء الحسن، والثياب الحسنة. ألا ترى لو أنه اشترى جارية جميلة بمال عظيم فإنه يجوز وقد يكفيه دون ذلك، فكذلك البناء).

قلت: وأما حديث: [أما إن كلَّ بناءٍ وبالٌ على صاحبه، إلا ما لا، إلا ما لا، يعني: ما لا بد منه] (١).

وحديث: [إنّ الرجل يؤجرُ في نفقته كلِّها إلا في هذا التراب] (٢). فالمراد منهما صرف المسلم عن الاهتمام بالبناء والتشييد إلا ما له به حاجة. قال الألباني رحمه الله: (وإن مما لا شك فيه أن الحاجة تختلف باختلاف عائلة الباني قلة وكثرة، ومن يكون مضيافًا، ومن ليس كذلك، فهو من هذه الحيثية يلتقي تمامًا مع الحديث الصحيح: "فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان" رواه مسلم (٦/ ١٤٦) وغيره).

وقال الحافظ - في الحديث السابق -: (وهذا كله محمول على ما لا تمس الحاجة إليه، مما لا بد منه للتوطن وما يقي البرد والحر).

وقوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧)}.

أي: استكبر الملأ الكافر واستهزؤوا بنبوة صالح - صلى الله عليه وسلم -، فأثبت المؤمنون النبوة وإيمانهم بها، واتباعهم نبي الله صالحًا عليه الصلاة والسلام. وأظهر المتكبرون كفرهم. قال القاسمي: (وإنما لم يقولوا: إنا بما أرسل به كافرون، إظهارًا لمخالفتهم إياها، وردًّا لمقالتهم). فالمقصود بقولهم: {إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} - أنهم أربَوْا تقليد المؤمنين بقولهم: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} حذرًا مما يكون في ظاهره إثبات رسالة صالح - صلى الله عليه وسلم -، وهم يجحدونها. {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ


(١) حديث إسناده جيد. أخرجه أبو داود (٢/ ٣٤٧)، وأبو يعلى (٧/ ٣٠٨/ ١٩٥٢) عن أنس مرفوعًا.
(٢) سنده صحيح. أخرجه ابن حبان (٥/ ٩٩ - ١٠٠)، وأحمد (٥/ ١١٠) من حديث خبّاب. وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢٨٣٠) - (٢٨٣١)، وتفصيل الروايات المختلفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>