للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف: ٥٤]، فإن قومًا صدقوه في قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: ٢٤]، من أجْهل خلق الله وأضلهم).

وقوله تعالى: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}.

قال ابن عباس: (أوّل من صلّب، وأول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف، فرعون).

قال ابن جرير: (وذلك أن يقطع من أحدهم يده اليمنى ورجله اليسرى، أو يقطع يده اليسرى ورجله اليمنى، فيخالف بين العضوين في القَطْع، فمخالفته في ذلك بينهما هو "القطع من خلاف"). قال: {ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}، وإنما قال هذا فرعون، لما رأى من خذلان الله إياه، وغلبة موسى عليه السلام وقهره له).

وقال القاسمي: ({ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} أي: تفضيحًا لكم، وتنكيلًا لأمثالكم).

وقوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}.

قال ابن كثير: ({إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} أي: قد تحققنا أنا إليه راجعون، وعذابه أشد من عذابك، ونكاله مما تدعونا إليه اليوم ومما أكرهتنا عليه من السحر أعظم من نكالك، فلنصبرن اليوم على عذابك لنخلص من عذاب الله، ولهذا قالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} أي: عُمَّنا بالصبر على دينك، والثبات عليه، {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} أي: متابعين لنبيك موسى عليه السلام).

قال مجاهد: ({رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}، قال: كانوا أول النهار سحرة، وآخره شهداء).

وقد حكى الله سبحانه في سورة طه مواجهة السحرة فرعون بعد تهديده، فقالوا له: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (٧٣) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} [طه: ٧٢ - ٧٥].

قلت: والصبر من أنفع الأعمال للعبد، فهو حبس اللسان والقلب والنفس والجوارح عن التشكي والجزع والتسخط والتذمر. وقيل: (هو الثبات مع الله، وتلقي بلائه بالرحب والسعة).

<<  <  ج: ص:  >  >>