للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} دليل واضح على ثبوت الرؤية.

فقد سئل الإمام مالك عن هذه الآية، فقيل: قوم يقولون: إلى ثوابه. فقال مالك: (كذبوا، فأين هم عن قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}؟ قال مالك: الناس ينظرون إلى الله يوم القيامة بأعينهم، وقال: لو لم يرَ المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعيِّر الله الكفار بالحجاب، فقال: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}) رواه في شرح السنة.

٣ - قوله تعالى: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}.

إعلام أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذا الدار، فكيف بالبشر؟ !

وقوله: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}.

فيه جواز تجلّيه سبحانه للجبل الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب، فكيف يمتنع أن يتجلى لرسوله وأوليائه في دار كرامته؟ ولكنه سبحانه أعلم موسى أن الجبل إذ لم يثبت لرؤيته في هذه الدار فالبشر أضعف.

وقوله: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}.

أي: مغشيًا عليه.

أخرج الترمذي بسند صحيح عن أنس: [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}. قال حماد: هكذا، وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى، قال: فساخ الجبل وخر موسى صعقًا] (١).

وقوله: {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}.

أي: لما أفاق من الغشي التجأ إلى الله تعالى منزهًا ومسبحًا ومعظمًا، ومُجِلًّا لله أن يراه أحد في هذه الحياة الدنيا إلا مات أو صعق، ثم سأل التوبة بقوله: {تُبْتُ إِلَيْكَ}.

قال مجاهد: (أن أسألك الرؤية). {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}. قال ابن عباس ومجاهد: (من بني إسرائيل).

وقال ابن عباس - في رواية أخرى -: (أنه لا يراك أحد). وقيل: (يقول: أنا أول من


(١) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في السنن - حديث رقم - (٣٢٨٢) - أبواب تفسير القرآن - سورة الأعراف. وانظر صحيح سنن الترمذي (٢٤٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>