للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١)}.

في هذه الآيات: يقول جل ذكره - لقد فرقنا بني إسرائيل ومزقناهم إلى طوائف وفرق في الأرض، منهم قوم صالحون، ومنهم قوم دون ذلك، واختبرناهم بعسر الأيام ويسرها، وتقلب أحوالها، لعلهم يرجعون إلى طاعة ربهم وتعظيم أوامره. فخلف ذلك الجيل منهم جيل آخر، ورثوا دراسة التوراة، وهم ينغمسون في ملذات هذه الدنيا الفانية، وَيُسَوِّفُون التوبة ويؤخرون الإنابة، فإن عرض لهم ذلك المتاع بعد الاستغفار انغمسوا فيه مرة أخرى، يعدهم الشيطان بذلك وَيُمَنِّيهم، وكان الله قد أخذ عليهم العهود بإقامة التوراة والعمل بما فيها، وأن الدار الآخرة بنعيمها وزينتها خير من هذا العرض الخسيس لو كانوا يعقلون. وأن الذين يمسكون بالكتاب ويعظمون ما فيه فإن الله لا يضيع أجر المصلحين. ألم يذكروا يوم رفع الله الطور فوق آبائهم وأمرهم بأخذ التوراة بقوة وَجدّ، وإلا خرّ عليهم الجبل فأهلكهم، وكان ذلك امتحانًا من الله لهم، عسى أن يردهم ذلك عن بغيهم، فينيبوا إلى بارئهم ويحمِلوا الأمانة بقوة وحزم، ويخشوا الله ويتقوه حق تقاته.

فقوله: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا}.

أي: فرقنا بني إسرائيل في الأرض إلى جماعات شتى، وطوائف وفرق. قال ابن عباس: (في كل أرض يدخلها قومٌ من اليهود). وقال مجاهد: ({وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا}، قال: يهود). وفي التنزيل: {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء: ١٠٤].

وقوله: {مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ}.

أي: منهم قوم صالحون يؤمنون بالله ورسوله ويعملون الصالحات، ومنهم قوم دون ذلك أو غير ذلك، كما قال تعالى عن الجن: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} [الجن: ١١].

وقوله: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ}.

أي: اختبرناهم بتقلب الأحوال: يسرها وعسرها. قال ابن كثير: (أي: بالرخاء والشدة، والرغبة والرهبة، والعافية والبلاء).

<<  <  ج: ص:  >  >>