للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن جرير: (يقول: واختبرناهم بالرخاء في العيش، والخفض في الدنيا والدعة، والسعة في الرزق، وهي "الحسنات" التي ذكرها جل ثناؤه، ويعني بـ "السيئات"، الشدة في العيش، والشظف فيه، والمصائب والرزايا في الأموال).

وقوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

أي: إلى طاعة الله، فيكفون عن معصيته وينيبون إليه.

وقوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ}.

قال مجاهد: ({فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} قال: النصارى) - والآية أعمّ من ذلك، فهي تفيد أن قومًا خلفوا ذلك الجيل الذي كان فيهم الصالحون ودون ذلك، فجاء جيل آخر، ورثوا دراسة التوراة، وهم يعملون الذنوب، ويعتاضون عن بذل الحق والدعوة إليه بعرض هذه الحياة الفانية ومتاعها وزينتها، ويؤخرون التوبة وَيُسَوِّفُون الاستغفار، ويتقلبون في ذلك، فإن عرض لهم ذلك المتاع بعد الاستغفار وقعوا فيه مرة أخرى. ومن أقوال المفسرين في ذلك:

١ - قال سعيد بن جبير: ({يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ}، قال: يعملون الذنب، ثم يستغفرون الله، فإن عرض ذلك الذنب أخذوه). أو قال: (ذنب آخر، يعملون به).

٢ - وقال مجاهد: ({يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى}، قال: ما أشرف لهم من شيء في اليوم من الدنيا حلالٌ أو حرام يشتهونه أخذوه ويبتغون المغفرة، فإن يجدوا الغد مثله يأخذوه).

٣ - وقال ابن عباس: (يقول: يأخذون ما أصابوا ويتركون ما شاؤوا من حلال أو حرام، ويقولون: {سَيُغْفَرُ لَنَا}).

٤ - وقال قتادة: ({فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ}، إيْ والله، لَخَلْفُ سَوْءٍ، {وَرِثُوا الْكِتَابَ} بعد أنبيائهم ورسلهم، وَرَّثهم الله وعَهِدَ إليهم، وقال الله في آية أخرى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ. .} [مريم: ٥٩]، قال: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا}، تمنوا على الله أماني، وغِرَّةٌ يغترون بها، {وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ}، لا يشغلهم شيء عن شيء، ولا ينهاهم شيء عن ذلك، كلما هَفَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>