أي: من اليهود الذين يعرفون صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة ويجحدون نبوته ويكذبون ويحرفون.
وقوله:{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ}.
أي - يا محمد - من مثل نبأ الذي انسلخ من آيات الله ولم ينتفع بعلمه كيف كان مصيره، وكذلك الأمم التي دكّها الله من قبل لما طغت وعتت وتمردت {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} - أي: اليهود والمنافقون والمشركون.
قال ابن كثير:(يقول تعالى: ساءَ مثلًا مثلُ القوم الذين كذبوا بآياتنا، أي: ساء مثلُهم أن شُبِّهوا بالكلاب التي لا هِمَّة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة، فمن خرج عن حَيِّزِ العلم والهدى، وأقبل على شهوة نفسه، واتبع هواه، صار شبيهًا بالكلب، وبئس المثل مثله. وقوله:{وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}، أي: ما ظلمهم الله، ولكن هم ظلموا أنفسهم، بإعراضِهم عن اتباع الهدى، وطاعة المولى، إلى الركون إلى دار البلى، والإقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى).
وقد حفلت السنة الصحيحة بذم الكلب وتشبيه بعض أفعال وخصال السوء بخصاله وطباعه.
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [ليس لنا مَثَلُ السَّوْء، الذي يعودُ في هِبَتِهِ كالكلب يَرْجِعُ في قَيْئِه](١).
وأخرج البخاري عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سمعت عُمَرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه يقول: [حَمَلْتُ على فرَسٍ في سبيل الله فأضاعَهُ الذي كان عندَه، فأردْتُ أن أشْتَرِيَهُ فَظَنَنْتُ أنَّهُ يبيعُهُ بِرُخْصٍ، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لا تَشْتَرِ ولا تَعُدْ في
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٢٦٢٢)، والترمذي في الجامع (١٢٩٨)، والنسائي في السنن (٦/ ٢٦٧)، وأحمد في المسند (١/ ٢١٧).