للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا}.

فيه أن القلب هو مركز الفقه لا الدماغ، بل الدماغ متأثر بفهم القلب وحركته وفقهه، والعلم الحديث يثبت ذلك. فالقلب هو مركز حياة الأبدان ومُوَجِّه حركتها وبتعطله تتعطل الحياة - هذا من جهة، ومن جهة ثانية: فهو مركز الفكر والعقل والفهم والفقه، كما قال تعالى في سورة الحج: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)}. وكقوله جل ذكره في السورة هذه: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ}.

وفي صحيح البخاري من حديث النعمان بن بشير مرفوعًا:

[ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كُلُّهُ، وإذا فسدت فسد الجسدُ كله، ألا وهي القلب] (١).

فمعنى الآية: إن لهؤلاء الذين ذرأهم الله لجهنم من خلقه، قلوبًا لا تتفكر في آيات الله، ولا تتدبر في عظمته سبحانه ووجوب إفراده بالتوحيد والتعظيم والكبرياء، كما لهم أعين لا تنظر بصدق في ملكوت السماوات والأرض لتستدل بذلك على صدق التنزيل وصحة دعوة الرسل، كما لهم آذان لا تسمع آيات الله تتلى لتعتبر بها، فهم يعرضون عنها وإنما يردون بذلك حياض هلاكهم. كما قال تعالى:

١ - {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٧١].

٢ - {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأحقاف: ٢٦].

٣ - {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: ٢٣].

فما كان صممهم وبكمهم وعميهم إلا عن الهدى، فعاقبهم الله بحرمانهم من الهدى والرشاد.


= النسائي (٤/ ٥٧)، وابن ماجه (٨٢)، وأبو يعلى (٤٥٥٣)، وغيرهم.
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٥٢)، كتاب الإيمان، وكذلك (٢٠٥١)، ضمن حديث أطول، ورواه مسلم في الصحيح (١٥٩٩)، كتاب المساقاة، من حديث النعمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>