للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي - وقد ذكر هذا الحديث -: (والصريح الخالص. وهذا ليس على ظاهره، إذ لا يصح أن تكون الوسوسة نفسها هي الإيمان، لأن الإيمان اليقين، وإنما الإشارة إلى ما وجدوه من الخوف من الله تعالى أن يعاقبوا على ما وقع في أنفسهم. فكأنه قال: جَزَعُكم من هذا هو محض الإيمان وخالصه، لصحة إيمانكم، وعلمكم بفسادها. فسمّى الوسوسة إيمانًا لما كان دفعها والإعراض عنها والردّ لها وعدم قبولها والجزعُ منها صادرًا عن الإيمان).

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}.

أي: إن الذين يخافون الله سبحانه ويعظمون أمره إذا ألمَّ بهم لمَمٌ أو زلل من الشيطان من غضب أو غفلة أو جهل عارض أو غير ذلك مما يصدّ عن القيام بواجب الإيمان والتقوى، تذكروا عقاب الله ووعده ووعيده، فحملهم ذلك على الانسحاب السريع من المعصية والنهوض من الوقوع إلى التوبة والإنابة والاستغفار.

وللمفسرين في الآية تأويلان متقاربان:

١ - عن مجاهد: {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ}، قال: هو الغضب). وقال سعيد: (الطيف: الغضب). وقد قرأ بعض المكيين والبصريين والكوفيين: {طيفٌ من الشيطان}، في حين قرأها عامة قراء المدينة والكوفة {طائف} - وهو الأرجح والأشهر.

٢ - عن ابن عباس: ("الطائف" اللَّمَّة من الشيطان. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ}، يقول: نزغٌ من الشيطان، {تذكروا}).

وقال السدي: (يقول: إذا زلّوا تابوا).

فبعد الذكرى يصبحون في حال أحسن، إذ عادوا إلى حال التقوى وقد نزع الله عنهم وسواس الشيطان، فانتصروا بعد عراك ومجاهدة فإذا هم على هدى من الله وبصيرة ونور.

وعن ابن عباس: ({فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}، يقول: إذا هم منتهون عن المعصية، آخذون بأمر الله، عاصون للشيطان).

<<  <  ج: ص:  >  >>