للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل {وَمَا رَمَيْتَ} يا محمد {إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} يعني أن الرمية التي رميتها أنت لم ترمها أنت على الحقيقة لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغه أثر رمي البشر، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم، وفي الآية بيان أن فعل العبد مضاف إليه كسبًا وإلى الله تعالى خلقًا لا كما تقول الجبرية والمعتزلة لأنه أثبت الفعل من العبد بقوله: إذ رميت، ثم نفاه عنه وأثبته لله تعالى بقوله: ولكن الله رمى، ولكن الله قتلهم).

قلت: وقد حفلت السنة الصحيحة بأسباب نزول هذه الآية في أحاديث:

الحديث الأول: أخرج الطبراني بسند حسن لغيره، عن حكيم بن حزام، قال: [لما كان يوم بدر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ كفًا من الحصباء فاستقبلنا به فرمانا بها وقال: شاهت الوجوه، فانهزمنا، فأنزل الله عز وجل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}] (١).

الحديث الثاني: أخرج الطبراني - ورجاله رجال الصحيح - عن ابن عباس: [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: ناولني كفًا من حصى، فناوله فرمى به وجوه القوم، فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء، فنزلت: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}] (٢).

الحديث الثالث: أخرج الحاكم على شرط الشيخين عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنها: [نزلت لما رمى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبي بن خلف] (٣).

وقوله: {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا}.

قال ابن إسحاق: (أي: ليعَرِّفَ المؤمنين من نعمه عليهم، في إظهارهم على عدوهم مع كثرة عددهم وقلة عددهم، ليعرفوا بذلك حقّه، وليشكروا بذلك نعمته).

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

قال ابن كثير: (أي: سميع الدعاء، عليم بمن يستحق النصر والغَلَب).


(١) حسن لغيره. انظر: "الصحيح المسند من أسباب النزول" - الوادعي - سورة الأنفال، آية (١٧).
(٢) حديث صحيح. أخرجه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وانظر سيرة ابن هشام (٢/ ١٩٩)، والواحدي في "أسباب النزول" (٤٧٣)، والطبري (١٥٨٣٥) (١٥٨٣٦)، والدر المنثور (٣/ ٣١٧)، وانظر: الصحيح المسند من أسباب النزول - الوادعي - سورة الأنفال، آية (١٧).
(٣) أخرجه الحاكم (٢/ ٣٢٧/ ٣٢٦٣)، وأخرجه الواحدي (٤٧١) عن سعيد بن المسيب عن أبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>