للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: والبيان الإلهي يشمل المنافقين والكافرين ومن مضى على منهاجهم في ترك العمل بالعلم، أو فصل القول عن العمل.

قالى القرطبي: (فدلّت الآية على أن قول المؤمن: سمعت وأطعت، لا فائدة فيه ما لم يظهر أثر ذلك عليه بامتثال فعله. فإذا قصر في الأوامر فلم يأتها، واعتمد النواهي فاقتحمها فأي سمع عنده وأي طاعة! وإنما يكون حينئذ بمنزلة المنافق الذي يظهر الإيمان، ويسر الكفر).

وقوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}.

إخبار من الله تعالى أن شر الخلق والخليقة هو هذا النوع من بني آدم، وهذا الصنف من الناس، الذين يعلمون الحق ثم هم يعاندونه بعد الفهم ويكابرون بعد العقل.

قال ابن زيد: (الدواب: الخلق).

وقال مجاهد: ({الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}: الذين لا يتبعون الحق).

قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: إن شر ما دبَّ على الأرض من خلق الله عند الله، الذين يصغون عن الحق لئلا يستمعوه، فيعتبروا به ويتعظوا به، وينكصُون عنه إن نطقوا به، الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه، فيستعملوا بهما أبدانهم).

وفي التنزيل: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٧١]، وكذلك قوله: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: ١٧٩].

وقوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}.

أي: قد علم الله أنه لا خير فيهم فلم يدع المواعظ تؤثر في قلوبهم، لشدة الران عليها من ازدحام المعاصي والآثام.

ثم إن حالهم يشهد بذلك - الذي قضاه الله وكتبه بعلمه - فإنه لو أسمعهم آياته تتلى وحججه البينات تقرع لولوا معرضين كارهين.

قال ابن زيد: ({وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ}، بعد أن يعلم أن لا خير فيهم، ما نفعهم بعد أن نفذ علمه بأنهم لا ينتفعون به)، وقال: (لو أسمعهم بعد أن يعلم أن لا خير فيهم، ما انتفعوا بذلك، ولتولوا وهم معرضون).

أخرج الترمذي في جامعه بسند حسن عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت

<<  <  ج: ص:  >  >>