للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يومًا غلام يبكي إلى أبيه فقال: ما شأنك؟ قال: ضربني معلمي. قال: الخبيث يطلب بِذَحْلِ - أي بثأر - بدر، والله لا تأتيه أبدًا] (١).

ومع ذلك فقد عاملهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاملة طيبة، عسى أن يترك ذلك أثرًا في نفوسهم فتلهف قلوبهم إلى الإسلام، وما كان هَمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ المال قدر ما هَمّهُ إذلال عتاة مكة وكسر شوكة قريش وكبريائها، وذلك فقد صرح عليه الصلاة والسلام معترفًا للمطعم بن عدي بفضل سابق أنه لو كان حيًا لدفعهم إليه.

يروي البخاري في صحيحه عن محمد بن جبير عن أبيه: [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أسارى بدر: لو كان المُطْعِمُ بن عَديٍّ حَيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له] (٢).

وقد أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الفداء من عمه العباس مثل غيره، وأبى شفاعة أحد به أو وساطة، مع أنه أخبر أنه كان يكتم إسلامه.

يروي البخاري عن أنس: [أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ائذن لنا فَلْنَتْرُكْ لابن أُخْتنا عباس فداءَه، قال: "والله لا تذرون منه درهمًا"] (٣).

وفي ذلك قمة الإنصاف والعدل، فالكل تحت حكم الله، ولا أحد يرفع رأسه ليتجاوز أو يشفع في دولة الحق، وهذا سرّ قوة الإسلام ودولته، فإن العباس وإن كان كما قيل قد خرج مكرهًا ولكنه عليه أن يواجه ضريبة تكثير سواد المشركين على المسلمين، فدفع يومئذ مئة أوقية، ودفع عقيل ثمانين أوقية، في حين دفع غيرهم أربعين أوقية كما فصّل ذلك الحافظ في الفتح وغيره من أهل السير.

وأما العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنها، فقد كان ضمن الأسرى، فأرادَتْ زينب أن تفديه بقلادتها ومالها، فَعَزَّ ذلك على المسلمين أن تبذل زينب مالها وهي مسلمة لا ذنب لها، فأطلقوا أسيرها.

فقد أخرج أبو داود والحاكم بسند حسن من حديث عائشة قال: [لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص. قالت: فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَقَّ لها رِقّةً شديدة


(١) أخرجه أحمد في المسند (٤/ ٤٧)، والحاكم (٢/ ١٤٠) بإسناد يرقى للحسن.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٠٢٤) - كتاب المغازي. وانظر (٣١٣٩) - كتاب فرض الخمس.
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٠١٨) - كتاب المغازي. وانظر: كتاب السيرة النبوية - على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة - بحث ٣٤ - (١/ ٥٩٧ - ٦١٠) لمزيد من التفصيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>