للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال مجاهد: ({سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}: غزوة تبوك. قال: {الْعُسْرَةِ}، أصابهم جَهْدٌ شديد، حتى إن الرَّجُلين ليشقَّان التمرة بينهما، وإنهم ليمصُّون التمرة الواحدة، ويشربون عليها الماء).

وعن قتادة قال: (قوله: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} الآية، الذين اتبعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك قِبَلَ الشام في لهبان الحرّ، على ما يعلم الله من الجهد، أصابهم فيها جهدٌ شديد، حتى لقد ذُكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما، وكان النفر يتناولون التمرة بينهم، يَمصُّها هذا ثم يشرب عليها، ثم يمصّها هذا ثم يشرب عليها، فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوهم).

يروي ابن جرير بسند حسن عن نافع بن جبير بن مطعم، عن عبد الله بن عباس: أنه قيل لعمر بن الخطاب في شأن العسرة فقال عمر: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلًا، فأصابنا فيه عطشٌ، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمسِ الماء، فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فَرْثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله، إن الله عز وجل قد عوَّدك في الدعاء خيرًا، فادع لنا. قال: تحب ذلك؟ قال: نعم! فرفع يديه فلم يرجعهما حتى مالت السماء فأظَلَّت ثم سكبت، فملؤوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر) (١).

١١٨ - ١١٩. قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)}.

في هذه الآيات: ذِكْرُ الله خبر المخلفيق الثلاثة، الذين تخلفوا عن تبوك، وكيف ضاقت عليهم أنفسهم، وحاصرهم الوحي حتى رضي الله عنهم توبتهم، فأنزل فرجه عليهم، وهو التواب الرحيم.


(١) أخرجه ابن جرير في التفسير، (١٧٤٤٣)، سورة التوبة آية (١١٧)، وإسناده حسن، رجاله ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>