ودعوة الله تعالى عباده المؤمنين ليخلصوا له التقوى وليكونوا مع الصادقين.
أخرج الإمام البخاري في كتاب المغازي من صحيحه، والإمام مسلم في كتاب التوبة، واللفظ للبخاري، عن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب رضي الله عنه من بنيه حين عَمِيَ، قال: سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يحدث بحديثه حين تخلَّف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك:
قال كعب: [لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوةٍ غزاها إلا في غزوة تبوك، غيرَ أني كنتُ تَخَلَّفْتُ في غزوة بدْرٍ ولم يُعَاتِب أحدًا تخلَّف عنها، إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد عيرَ قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلةَ العقبة، حين تواثقنا على الإسلام، وما أحِبُّ أنَّ لي بها مَشْهدَ بَدْرٍ، وإن كانت بَدْرٌ أذكرَ في الناس منها، وكان من خبري حين تخلَّفْتُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك أني لم أكُنْ قط أقوى ولا أيسرَ حين تخلّفتُ عنه في تلك الغزاة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط، حتى جَمَعْتُهُما في تلك الغزوة، ولم يَكُنْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُريد غزوة إلا ورّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حرٍّ شديد، واستقبل سفرًا بعيدًا، ومفازًا وعدوًّا كثيرًا، فجلّى للمسلمين أمْرَهم ليتأهبوا أُهْبَةَ غَزْوِهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثير، ولا يجمعهم كتابٌ حافظ، يريد الدِّيوان. قال كعب: فما رجل يريد أن يتَغَيَّبَ إلا ظنَّ أن سيخفى له، ما لم ينزِل فيه وحيُ الله، وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهّز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه، فطفِقْتُ أغْدو لكي أتجهَّزَ معهم، فارجِعُ ولم أقض شيئًا، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجِدُّ، فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه، ولم أقضِ مِنْ جَهازي شيئًا، فقلت أتجهزُ بعده بيوم أو يومين ثم ألْحَقُهُم، فَغَدَوْتُ بعد أن فَصَلُوا لأَتَجهَّز، فرجَعْتُ، ولم أقْضِ شيئًا، ثم غَدَوْتُ، ثم رجعت ولم أقضِ شيئًا، فلم يَزلْ بي حتى أسْرعوا وتفارطَ الغزو، وهَمَمْتُ أن أرتَحِلَ فأدركَهم، وليْتني فعلتُ، فلم يُقَدَّر لي ذلك، فكنتُ إذا خرجتُ في الناسِ بَعْدَ خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطُفْتُ فيهم، أحزنَني أني لا أرى إلا رجلًا مَغْمُوصًا عليه النفاقُ، أو رجلًا ممن عَذَرَ الله من الضعفاء، ولم يذكُرْني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك:"ما فعل كعب؟ ".