للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)}.

في هذه الآيات: إعلام من الله تعالى عباده المؤمنين في المدينة وما حولها أنه لا ينبغي لأحد التخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الغزو والرغبة بنفسه عن مشاركته مشقة الجهاد وقتال الأعداء، وأنه لا يصيب أحدًا في خروجه عطش أو تعب أو جوع، ولا ينزلون أرضًا أو موقعًا يُرهب العدو ولا يصيبون منه إلا كتب لهم به عمل صالح والله لا يضيع أجر المحسنين.

وكذلك لا يبذلون في سبيل الله نفقة صغيرة أو كبيرة، ولا يقطعون واديًا في طريقهم إلى الغزو أو في عودتهم إلا سُجِّلَ لهم ذلك في صحائفهم بأعطر وأجزل الثواب.

إنه لا ينبغي إخلاء المواقع في سبيل الله، بل إذا خرجت فِرَقُ السرايا إلى الغزو، جلس الباقون ليتفقهوا في دينهم، ليقوموا بواجب الإنذار والبلاغ في قومهم لعلهم يحذرون.

قال قتادة: (قوله: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ}، هذا إذا غزا نبيُّ الله بنفسه، فليس لأحد أن يتخلف).

والآية عتاب من الله تعالى للمتخلفين عن الخروج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك، من أهل المدينة وممن حولها من أحياء العرب وسكان البوادي، فإنه ما كان لهم أن يفعلوا ذلك، وما ينبغي لهم أن يرغبوا بأنفسهم عن مشاركته - صلى الله عليه وسلم - الجهاد وأعباء الغزو ومشقة السفر. فإنه: {لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} وهو العطش. {وَلَا نَصَبٌ} وهو: التعب. {وَلَا مَخْمَصَةٌ} وهي المجاعة أو الجوع. {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: في طريق إقامة دين الله ونصرته، وإبطال الباطل وهدم منار الكفر. {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} أي: لا ينزلون أرضًا أو منزلًا يُرهب عدوهم ويغيظه ويغضبه. {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا} أي: ولا يصيبون من عدوهم ظفرًا أو موقفًا أو قهرًا في الأموال أو الأنفس. {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} - أي: إلا احتسب لهم ضمن معالي الأعمال ورفيع الدرجات وثواب العمل الصالح، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} - أي: لا يبطل ثوابهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>