للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحراب، أبي حفص عمر بن الخطاب، فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين، وقمع الطغاة والمنافقين، واستولى على الممالك شرقًا وغربًا، وحُملت إليه خزائنُ الأموال من سائر الأقاليم بُعْدًا وقربًا، فَفَرَّقها على الوجه الشرعي، والسبيل المرضيِّ.

ثم لما مات شهيدًا وقد عاش حميدًا، أجمع الصحابة من المهاجرين والأنصار على خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان شهيد الدار.

فكُسِيَ الإسلامُ بحالةِ رياسته حُلَّة سابغة، وأُمِدَّتْ في سائر الأقاليم على رقاب العباد حُجَّةُ الله البالغة، وظهر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وعلت كلمة الله وظهر دينه، وبلغت الأمة الحنيفية من أعداء الله غاية مآربها، فكلما عَلَوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم، ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار، امتثالًا لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّار}، وقوله تعالى: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}، أي: وليجد الكفار منكم غلظة عليهم في قتالكم لهم، فإن المؤمن الكامل هو الذي يكون رفيقًا لأخيه المؤمن، غليظًا على عدوّه الكافر، كما قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: ٥٤]، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التحريم: ٩]).

قلت: ولا شك أن هذه الآية خطاب للدولة المسلمة ممثلة بالخليفة ذي الشوكة ليقوم بمقتضاها على مدار الزمان، فيعز الحق في الأرض ويذل الشرك والكفر والباطل، ومن ثمَّ فليس الخطاب لأفراد غُرباء في أرجاء المعمورة يفرون بدينهم وليس لأمتهم كيان ولا شوكة وهم لم يقيموا الإسلام أولًا في بيوتهم ومساجدهم وأحيائهم ومجتمعاتهم، فيتهورون بفتح النار على أعدائهم قبل تميّز الصفوف وإقامة دولة الحق، فيقعون في الفتنة والضياع.

وإنما الواجب على المسلمين اليوم إقامة الدين في طائفة الحق التي ستفرز يومًا قريبًا بإذن الله الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، والتي سيكون وصولها نذير سوء لكل مناهج الكفر والظلم وجيوش البغي في الأرض.

وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى في أحاديث:

الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

<<  <  ج: ص:  >  >>