للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}.

إخبار منه سبحانه عن سلوك هؤلاء المنافقين عند نزول سورة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهم يتلفتون بين بعضهم، ويتغامزون فيما بينهم، هل يراكم أحد إن تناجيتم بمعايب القوم فيخبرهم، ثم يقومون منصرفين ولم يستمعوا التنزيل الذي فيه خزيهم وذكر معايبهم، لقد صرف الله قلوبهم عن الحق وأزاغها بأنهم قوم لا يفقهون.

قال النسفي: ({وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} تغامزوا بالعيون إنكارًا للوحي وسخرية به قائلين {هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ} من المسلمين لننصرف، فإنا لا نصبر على استماعه ويغلبنا الضحك فنخاف الافتضاح بينهم، أو إذا ما أنزلت سورة في عيب المنافقين أشار بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد إن قمتم من حضرته عليه السلام {ثُمَّ انْصَرَفُوا} عن حضرة النبي - عليه السلام - مخافة الفضيحة {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} عن فهم القرآن {بِأَنَّهُمْ} بسبب أنهم {قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} لا يتدبرون حتى يفقهوا).

١٢٨ - ١٢٩. قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)}.

في هذه الآيات: امتنان الله تعالى على العرب أن بعث فيهم رسولًا من أنفسهم لا من غيرهم، يَعِزُّ عليه مشقتهم، حريص على هدايتهم ونجاتهم وسعادتهم، بالمؤمنين رفيق رحيم.

فإن أعرضوا عما جئتهم به - يا محمد - من الشريعة العظيمة السمحة فقل الله يكفيني فلا معبود سواه، فبه وثقت، وعليه اعتمدت، فهو ناصري ومؤيدي ومعيني، وهو رب العرش العظيم.

فقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}.

قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره للعرب: لقد جاءكم، أيها القوم، رسول الله

<<  <  ج: ص:  >  >>