للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩) وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣)}.

في هذه الآيات: خِطَابُ الله تعالى لنبيّه - صلى الله عليه وسلم - أنه - جلّت عظمته - قادر على جعل الناس كلهم على دين واحد، وإنما اقتضت حكمته تقسيم الهداية والإيمان، واختلاف القلوب والأحوال، فأهل الحق هم الناجون من الاختلاف، وأهل الباطل واقعون في الشقاق ومتاهات الأهواء، وقد قضى - جَلَّت حكمته - امتلاء جهنم من كفرة الجن والإنس. إن هذه القصص التي قصها الله عليك - يا محمد - من أخبار الرسل مع أقوامهم إنما هي لتثبيت فؤادك لمواجهة شرك قومك وعنادهم، وليصبر معك المؤمنون على جهاد أعدائهم، والعاقبة للمتقين. فالله وحده له غيب السماوات والأرض ومرجع جميع الأمور، فأفرده - يا محمد - بالعبادة والتوكل، فما ربك بغافل عَمَّا تعملون.

فقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}. قال قتادة: (يقول: لجعلهم مسلمين كلهم).

والمقصود: أن الله تبارك وتعالى قادر أن يجعل الناس كلهم على دين واحد، من كفر أو إيمان. كما في التنزيل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: ٩٩].

وقوله: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}. قال مجاهد: (أهل الباطل، {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}، قال: أهل الحق).

أو قال: ({وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} قال: أهل الحق وأهل الباطل، {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}، قال: أهل الحق).

وقال الحسن: (الناس كلهم مختلفون على أديان شتى، إلا من رحم ربك، فمن رحم غير مختلف). وقال عكرمة: (لا يزالون مختلفين في الهوى).

وقال قتادة: ({وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}، فأهل رحمة الله أهل جماعة، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم. وأهل معصيته أهل فرقة، وإن اجتمعت دورهم

<<  <  ج: ص:  >  >>