وأبدانهم). وعن الأعمش: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}، قال: من جعله على الإسلام).
وقيل: لا يزالون مختلفين في الرزق، سخّر بعضهم لبعض.
قلت: والمعنى الأول هو الذي يدل عليه السياق، فالحديث ليس عن الرزق، وإنما عن الهداية والإيمان، فالمتمسكون بهدي الرسل هم القوم المرحومون الناجون من الاختلاف، والبقية في شقاق وضلال، واتباع للأهواء.
أخرج الإمام أحمد في المسند، وأبو داود والترمذي وابن ماجه في السنن، والحاكم من حديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:[إن اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإنَّ النصارى افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كُلُّها في النار إلا فرقة واحدة. قالوا: ومن هُمْ يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي](١).
وقوله:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} - أي لهذا الاختبار، في صدق الإيمان أو اتباع سبيل الكفار، فريق إلى الجنة وفريق إلى النار.
ومن أقوال أهل التأويل في ذلك:
١ - قال الحسن:({وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}، قال: للاختلاف). قال:(خلق هؤلاء لجنته، وخلق هؤلاء لناره، وخلق هؤلاء لرحمته، وخلق هؤلاء لعذابه). وقال:(أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافًا يضرهم).
٢ - قال ابن عباس:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}، قال: خلقهم فريقين، فريقًا يرحم فلا يختلف، وفريقًا لا يرحم يختلف، وذلك قوله:{فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}[هود: ١٠٥]).
وبنحوه قال الإمام مالك:(خلقهم ليكونوا فريقين: فريقٌ في الجنة، وفريقٌ في السعير).
(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٢/ ٣٣٢)، وأبو داود (٤٥٩٦)، والترمذي (٢٦٤٠)، وابن ماجه (٣٩٩١)، وأبو يعلى (٥٩١٠)، (٥٩٧٨)، (٦١١٧)، وابن حبان (٦٢٤٧)، (٦٧٣١)، والحاكم (١/ ١٢٨) من حديث أبي هريرة، وله شواهد كثيرة، وورد من طرق يشُدُّ بعضُها بعضًا كما قال الحافظ ابن كثير في التفسير (٣٨٤٢).