للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعتذارها بشتى الوسائل عما صدر من أصحابها من أعمال، ثم يفصل الله تعالى بإعطائه جزاء عملها وافيًا.

قال النسفي: (فالنفس الأولى هي الجملة والثانية عينها وذاتها، فكأنه قيل: يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره، كُلٌّ يقول نفسي نفسي، ومعنى المجادلة عنها الاعتذار عنها، كقولهم: هؤلاء أضلونا، ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا، الآية، والله ربنا ما كنا مشركين).

وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: [كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك، فقال: هل تدرون مِمَّ أضحك؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربَّه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى. فيقول: إني لا أجيز على نفسي إِلا شاهدًا مني، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا، وبالكرام الكاتبين شهودًا، فيُخْتَم على فيه، ويقال لأركانه انطُقي، فتنطق بأعماله، ثم يُخَلّى بينه وبين الكلام، فيقول: بعدًا لكن وسحقًا فعنكن كنت أناضل] (١).

١١٢ - ١١٣. قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١١٣)}.

في هذه الآيات: سنة الله في القرى الظالم أهلها الشائع فيها الكفر والفواحش والآثام، يذيقها الله الخوف والجوع بعد الإنعام والأمان، وما ظلمهم الله بل أرسل إليهم رسوله فكذبوه فأذاقهم عقوبة أهل المكر والإجرام.

وقد ذكر ابن عباس ومجاهد وقتادة أن المقصود بالقرية التي كانت آمنة مكة. فقد امتن الله تعالى على أهلها بنعمة الأمن والاستقرار، والناس يتخطفون من حولها ويلوذون بالفرار. وكان رزقها يأتي أهلها هينًا سهلًا من كل البقاع والأرجاء، فلما


(١) حديث صحيح. انظر مختصر صحيح مسلم (١٩٣٣). وقوله: أناضل - أي أجادل وأدافع وأخاصم.

<<  <  ج: ص:  >  >>