في هذه الآية: إِخبارٌ من الله تعالى عن بعض المستضعفين بمكة الذين واتَوْا المشركين على الفتنة، ثم تمكنوا من الهجرة والتخلص من مستنقع الجاهلية والفتن، تاركين بلادهم وأموالهم وأهليهم ابتغاء رضوان الله ومغفرته، فأولئك يَحْظون بمغفرة الله وعفوه بعد تعديل الوقوع السابق بالهجرة والصبر والجهاد.
أخرج ابن جرير ورجاله ثقات عن ابن عباس قال: [كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم، وقُتِلَ بعض، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين، وأُكرهوا فاستَغْفِروا لهم، فنزلت:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ}[النساء: ٩٧]. . . إلى آخر الآية، قال: وكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين هذه الآية لا عذر لهم، قال: فخرجوا فلحقهم المشركون، فأعطوهم الفتنة، فنزلت هذه الآية:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}[العنكبوت: ١٠]. . إلى آخر الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك، فخرجوا وأيسوا من كل خير، ثم نزلت فيهم:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} فكتبوا إليهم بذلك: إن الله قد جعل لكم مخرجًا، فخرجوا، فأدركهم المشركون فقاتلوهم، ثم نجا من نجا، وقُتِلَ من قُتِل] (١).
في هذه الآية: إخبار من الله سبحانه عن طبيعة مخاصمة النفوس يوم القيامة
(١) أخرجه ابن جرير في "التفسير" (٢١٩٥٣). قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن شريك هو ثقة. وانظر: "الصحيح المسند من أسباب النزول" - الوادعي - النحل، آية (١١٠).