عنقه، فقال: قضى الله ورسوله أن من رَجَعَ عن دينه فاقتلوه. أو قال:"مَنْ بَدَّلَ دينَهُ فاقتُلوه"] (١).
وقوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}. قال ابن جرير:(يقول تعالى ذكره: حلّ بهؤلاء المشركين غضب الله، ووجب لهم العذاب العظيم، من أجل أنهم اختاروا زينة الحياة الدنيا على نعيم الآخرة، ولأن الله لا يوفق القوم الذين يجحدون آياته مع إصرارهم على جحودها).
وقوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}. قال القاسمي:(إنما الجناح على من شرح بالكفر صدرًا أي طاب به نفسًا واعتقده، استحبابًا للحياة الدنيا الفانية، أي إيثارًا لها على الآخرة الباقية، فذاك الذي له من الوعيد ما بينته الآيات الكريمة، من غضب الله عليهم أولًا. وعذابه العظيم لهم، وهو عذاب النار ثانيًا. وعدم هدايتهم باختيارهم الكفر ثالثًا. ورابعًا بالطبع على قلوبهم بقساوتها وكدورتها. فلم ينفتح لهم طريق الفهم. وعلى سمعهم وأبصارهم بسدّ طريق المعنى المواد من مسموعاتهم وطريق الاعتبار من مبصراتهم إلى القلب. فلم يؤثر فيهم شيء من أسباب الهداية من طريق الباطن من فيض العلم وإشراق النور. ولا من طريق الظاهر بطريق التعليم والتعلم والاعتبار من آثار الصنع. وخامسًا بكونهم هم الغافلين، بالحقيقة، لعدم انتباههم بوجه من الوجوه. وامتناع تيقظهم من نوم الجهل بسبب من الأسباب. وجليٌّ، أن كل نقمة من هذه الخمس، على انفرادها، من أعظم الحواجز عن الفوز بالخيرات والسعادات. فكيف بها كلها! ).
أي: لا بد ولا عجبَ أن هؤلاء في صنيعهم وإصرارهم على الكفر سيلقون الخسارة في أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
قال الرازي: (ومعلوم أنه تعالى إنما أدخل الإنسان الدنيا ليكون كالتاجر الذي يشتري بطاعاته سعادات الآخرة. فإذا حصلت هذه الموانع عظم خسرانه. فلهذا قال:{لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} أي الذين ضاعت دنياهم التي استنفدوا
(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٥/ ٢٣١) وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم. وأخرجه البخاري (٦٩٢٣)، ومسلم (١٧٣٣) ح (١٣)، وأحمد (٤/ ١٤٠) عن أبي بردة مطولًا.