في هذه الآية: تمجيد الله تعالى، وإثبات حادثة الإسراء، ومباركة الله جوانب المسجد الأقصى، ورؤية الآيات العجيبة في آفاق تلك الرحلة المدهشة، تثبيتًا لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - الله السميع البصير.
فقوله سبحانه:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} - تمجيد الله تعالى نفسه عما لا يقدر عليه أحد سواه. فقد أسرى بعبده محمد - صلى الله عليه وسلم - في جُنح الليل من مسجد مكة إلى بيت المقدس. وهو قوله:{لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}. قال ابن كثير:(وهو بيت المقدس الذي بإيلياءَ، مَعْدِن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل - عليه السلام - ولهذا جُمعُوا له هنالك كلُّهم، فأمَّهُم في مَحِلَّتهم ودارهم، فدَلَّ على أنه هو الإمام الأعظم والرئيس المقدَّم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين). قال النسفي:({لَيْلًا}: نُصب على الظرف، وقيده بالليل، والإسراء لا يكون إلا بالليل للتأكيد، أو ليدل بلفظ التنكير على تقليل مدة الإسراء، وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة).
وقوله:{الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}. أي جوانبه ببركات الدين والدنيا. قال القاسمي:(لأن تلك الأرض المقدسة مقر الأنبياء ومهبط وحيهم ومنمى الزروع والثمار. فاكتنفته البركة الإلهية من نواحيه كلها. فبركته إذن مضاعفة، لكونه في أرض مباركة، ولكونه من أعظم مساجد الله تعالى. والمساجد بيوت الله. ولكونه متعبد الأنبياء ومقامهم ومهبط وحيه عليهم، فبورك فيه ببركتهم ويمنهم أيضًا).
وقوله:{لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}. أي لنري محمدًا - صلى الله عليه وسلم -من الآيات الدالة على وحدانية الله وصدق نبوته برؤية آفاق مثيرة مدهشة من ملكوت الله في أرجاء هذا الكون الفسيح.