وقال ابن كثير:(ومعناه أنكم أيهِا المكذبون لستم أكرم على الله منهم، وقد كذّبتم أشرفَ الرسل وأكرم الخلائق، فَعُقوبتكم أولى وَأحرى). قال النسفي:({وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} وإن أخفوها في الصدور {بَصِيرًا} وإن أرخوا عليها الستور).
في هذه الآيات: إخبار الله تعالى أنَّ من طلب زينة هذه الحياة الدنيا فإنه يُعطى منها حسب مشيئته تعالى ثم مرده في الآخرة إلى نار جهنم يدخلها مذمومًا مخذولًا. ومن طلب سبيل الآخرة وتقدم إلى ذلك بالإيمان الصادق والعمل الصالح فإنه سيلقى جزاء سعيه جزاء موفورًا. فالله سبحانه يعطي كلًا من الفريقين وما كان عطاء الله محظورًا. فانظر - يا محمد - كيف قسم الله الهداية والأرزاق وفاوت بين الفريقين في منهاج الحياة، ثم مصير الآخرة أكبر مفاضلة وأعظم تفضيلًا. فاحذر أيها الإنسان الشرك بالله فإن الشرك يقعد صاحبه مذمومًا مخذولًا.
فقوله:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} - الآية. قال قتادة:(يقول: من كانت الدنيا همّه وسدمه وطلبته ونيته، عجَّل الله له فيها ما يشاء، ثم اضطره إلى جهنم، قال:{ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} مذمومًا في نعمة الله مدحورًا في نقمة الله). قال ابن زيد:(العاجلة: الدنيا). وعن أبي إسحاق الفزاري يقول:{عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} قال: (لمن نريد هلكته). وعن ابن عباس:({مَذْمُومًا} يقول: ملومًا).
قال ابن كثير: (يخبر تعالى أنه ما كلّ من طلب الدنيا وما فيها من النعيم يحصُل له، بل إنما يحصُل لمن أراد الله ما يشاء. وهذه مقيّدة لإطلاق ما سواها من الآيات، فإنه قال:{عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ}، أي في الدار الآخرة، {يَصْلَاهَا} , أي: يَدْخُلها حتى تغمُرَه من جميع جوانبه، {مَذْمُومًا}، أي: في حال