للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كونه مذمومًا على سوء تَصَرُّفه وصنيعه، إذا اختار الفاني على الباقي، {مَدْحُورًا}، مُبعَدًا مَقْصِيًّا حقيرًا ذليلًا مهانًا).

وقوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}. قال قتادة: (شكر الله حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم).

والمقصود: أنَّ من طَلَبَ نعيم الآخرة وتقدم إلى ذلك بالإيمان الصادق والعمل الصالح على منهاج النبوة، فإن الله سبحانه سيجزيه على حسن سعيه ويتجاوز عن سَيِّئ عمله.

وقوله تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}.

قال قتادة: (أي منقوصًا، وإن الله عز وجل قسم الدنيا بين البرّ والفاجر، والآخرة خصوصًا عند ربك للمتقين). وقال الحسن: (كلًا نعطي من الدنيا البر والفاجر). قال ابن جريج: قال ابن عباس: (فيرزق من أراد الدنيا، ويرزق من أراد الآخرة). قال ابن جريج: ({وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} قال: ممنوعًا).

والمقصود: أنَّ الله تعالى يعطي كُلًا ما يستحقه من الشقاوة والسعادة في الآخرة، وأما في الدنيا فيرزق المطيع والعاصي جميعًا على وجه التفضل، وما كان عطاء الله ممنوعًا عن عباده وإن عصوا أمره.

وقوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}. أي:

١ - انظر يا محمد - نظرة اعتبار - إلى هذين الفريقين، كيف هدينا هذا سبيل سعادته، وكيف خذلنا الآخر حين أصر على سلوك سبيل شقاوته، فتفاوت الفريقان في منهاج الحياة الدنيا الذي يقرّر مصير الآخرة.

٢ - ثم انظر - يا محمد - كيف فضلنا بين الناس في أرزاق الدنيا ومعايشها، فمنهم الغني والفقير وبين ذلك.

وأما الآخرة فإن تفاوت الناس فيها أعظم وأكبر بكثير من تفاوتهم في الدنيا، فأهل الجنة يتفاوتون في درجات الجنة وفي مقامات النعيم حسب أعمالهم، وأهل النار يتفاوتون في دركات النار وفي منازل الشقاء حسب درجة كفرهم وخبث أفعالهم وحالات نفاقهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>