للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذا القرنين قوة وسلطانًا، فكان - كما مضى - يقيم الحق والعدل ويحكم بين الناس.

فأجابهم ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ}. أي: ما أعطاني سبحانه وتعالى من الملك والتمكين في الأرض خير لي من الذي تجمعونه وتفكرون بإهدائه لي. وهذا كقول سليمان عليه الصلاة والسلام لوفد بلقيس الذين حاولوا حجب نفوذه وسلطانه بهداياهم فقال لهم: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}.

وقال لهم ذو القرنين: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا}. أي: ساعدوني بقوة بعملكم وبآلات البناء. قال مجاهد: ({أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} يقول: أجعل بينكم وبين يأجوج ومأجوج ردمًا. والردم: حاجز الحائط والسد، إلا أنه أمنع منه وأشد). وعن ابن عباس قال: ({رَدْمًا}: هو كأشدّ الحجاب).

وقوله: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ}. أي: قطع الحديد - قاله ابن عباس ومجاهد، فإن الزبر جمع زبرة وهي القطعة منه. قال مجاهد: (وهي كاللبنة)، يقال كل لبنة زنة قنطار.

وقوله: {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}. قال مجاهد: (رؤوس الجبلين). أي وضع بعضه على بعض من الأساس، حتى إذا حاذى به رؤوس الجبلين طولًا وعرضًا {قَالَ انْفُخُوا} أي أَجَّجَ عليه النار {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} أي صار كله نارًا {قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}. قال مجاهد وقتادة: (هو النحاس المذاب).

وقوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}.

قال قتادة: ({فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} من فوقه {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} أي من أسفله). أي: فما قدروا أن يصعدوا ويرتقوا فوق هذا السد المنيع ولا قدروا على نقبه من أسفله، فقد صنعه ذو القرنين بأحدث وسائل زمانه واستخدم في بنائه أشد وأمتن مَواد البناء، فقد دخل في إنشائه الحديد والحجارة والنار والنحاس، فيا له من سد متين ذي مقاومة حدية عالية.

قال الحافظ بن كثير: (ولما كان الظهور عليه أسهلَ من نقبه قابل كلًا بما يناسبه فقال: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}).

لقد حجب ذو القرنين عليه السلام بهذا البنيان العظيم أشدَّ الناس شرورًا وفاحشة في الأرض، فإن يأجوج ومأجوج قوم مفسدون، خَبأهم الله فتنة في آخر الزمان لمن ضل أو من كفر، وجعل خروجهم من علامات يوم القيامة، وجعل نهايتهم من الأرض من

<<  <  ج: ص:  >  >>