للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي التنزيل: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} قال قتادة: (هي والله منازلهم بأعمالهم).

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، معَ كل زمام سبعون ألف ملك يجرُّونها] (١).

وقوله تعالى: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا}.

قال ابن جرير: (يقول تعالى: وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين الذين كانوا لا ينظرون في آيات الله، فيتفكَّرُون فيها ولا يتأمَّلون حججه، فيعتبرون بها، فيتذكرون وينيبون إلى توحيد الله، وينقادون لأمره ونهيه، وكانوا لا يستطيعون سمعًا، يقول: وكانوا لا يطيقون أن يسمعوا ذكر الله الذي ذكَّرَهم به، وبيانه الذي بَيَّنَهُ لهم في آي كتابه، بخذلان الله إياهم، وغلبة الشقاء عليهم، وشُغْلهم بالكفر بالله وطاعة الشيطان، فيتعظون به، ويتدبرونه، فيعرفون الهدى من الضلالة، والكفر من الإيمان).

والمقصود: إنه لما تعامى هؤلاء الكفار وتغافلوا وتصامّوا عن سماع الحق وإبصار الهدى واتباع سبيل المرسلين، أصَمَّ الله أسماعهم عن سماع الحق فخذلهم عن فهمه وعقله. قال مجاهد: ({لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا}: لا يعقلون). أو قال: (لا يعلمون).

وفي التنزيل: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: ٣٦].

قلت: والاستطاعة الواردة في الآية بمفهوم خلق القدرة على ذلك العمل، وتأتي بمعنى التوفيق. والمعنى: إن الله يخذل الكافرين نتيجة استهزائهم بالحق وتماديهم بالباطل فلا يستفيدون من سمعهم في الحق، وكذلك يخذل المنافقين عن السجود له في أرض المحشر. كما قال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: ٤٢, ٤٣].

وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقًا واحدًا] (٢).


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٨٤٢)، وانظر مختصر صحيح مسلم - حديث رقم - (١٩٧٥).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه - حديث رقم - (٤٩١٩) - كتاب التفسير - سورة القلم. وانظر كذلك - حديث رقم - (٢٢) منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>