للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠)}.

في هذه الآيات: تعظيمُ كلمات الله وآفاق معانيها وروائع علومها، وإثبات بشرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتلقيه الوحي من الله رب السماوات والأرض وباريها، وذِكْرُ سرّ النجاة وسعادة الدارين: إفراد الله تعالى بالعبادة والتعظيم، والتماس العمل الصالح على منهاج الوحيين.

فعن مجاهد: ({الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} للقلم). قال قتادة: (يقول: إذًا لنفد ماء البحر قبل أن تنفد كلمات الله وحكمه).

والمقصود: قل - يا محمد - مخبرًا عن عظمة كلمات ربك وصفاته وآياته وحكمه: لو كان ماء البحر مدادًا للقلم الذي تكتب به كلمات الله وحكمه وما يخبر عن آياته ومعاني أسمائه وصفاته لنفد البحر قبل الفراغ من ذلك، ولو رفدته بحور الدنيا ومحيطاتها.

وفى التنزيل نحو ذلك: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: ٢٧].

قال الربيع بن أنس: (إن مثلَ علم العباد كُلِّهم في علم الله كَقَطْرَةٍ من ماء البحور كُلِّها، وقد أنزل الله ذلك: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} يقول: لو كان البحر مِدَادًا، والشجر كُلُّها أقلامٌ، لانكسرت الأقلام وفنيَ ماءُ البحر، وبَقِيت كلماتُ الله قائمةً لا يُفنيها شيء، لأن أحدًا لا يستطيع أن يقْدُرَ قدرها وَلا يُثني عليه كما ينبغي، حتى يكونَ هو الذي يُثني على نفسه، إن رَبَّنا كما يقول وفوق ما نقول، إنَّ مَثَلَ نعيم الدنيا أولها وآخرها في نعيم الآخرة كحبَّةِ من خَرْدَلٍ في خلال الأرض).

وقوله: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}. قال القرطبي: (أي لا أعلم إلا ما يعلِّمني الله تعالى، وعلم الله تعالى لا يحصى، وإنما أمرت بأن أبلغكم بأنه لا إله إلا الله).

وقال ابن كثير: (يقول تعالى لرسوله محمد - صلوات الله وسلامه عليه -: {قُلْ} لهؤلاء المشركين المكذبين برسالتك إليهم: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} فمن يَزْعُمُ أني كاذب

<<  <  ج: ص:  >  >>