قال ابن عباس: ({وَلَا تَنِيَا} يقول: لا تبطئا). وقال: (يقول: ولا تضعفا في ذكري).
قال ابن زيد: (الواني: هو الغافل المفرط ذلك الواني).
والمقصود: استحضار عظمة الله عز وجل بذكره عند لقاء الطاغية أو الظالم، فإن ذلك ممّا يهوّن على المؤمن أمر العتاة والبغاة وأهوال اقتحام حواجز الكبر التي يصنعها أئمة الكفر في الأرض لِيَحُولوا دون وصول دعوة الله إلى الناس في الأرض.
وقوله تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.
أي اذهبا إلى فرعون الذي تمرّد وعتا، وتَجَهْرَم على الله وعصا، ودعا الناس إلى عبادته وتعظيمه من دون الله، ومع ذلك استميلاه بِلَيِّنِ القول ولطيفه لعله يتذكر أو يخشى.
قال ابن كثير: (هذه الآية فيها عبرةٌ عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العُتُوِّ والاستكبار، وموسى صَفْوَةُ الله من خَلْقِهِ إذ ذاك، ومع ذلك أُمِرَ ألَّا يخاطِبَ فِرْعون إلا بالملاطفة واللِّين، كما قال يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ عند قوله: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا}: يا مَن يَتَحَبَّبُ إلى من يعاديه، فكيف بمن يتولاه ويُناديه؟ ).
ويُروى هنا من شعر زيد بن عمرو بن نُفيل، أو أمية بن أبي الصَّلْت فيما ذكره ابن إسحاق:
وأنْتَ الذي من فَضْلِ مَنٍّ ورحْمَةٍ ... بَعَثْتَ إلى موسى رسولًا مُناديًا
فقلتَ له: فاذهَبْ وهارونَ فادعُوا ... إلى الله فرعونَ الذي كان باغِيًا
فقُولا له: هل أنْتَ سَوَّيْتَ هذِه ... بلا وَتَدٍ حتى اسْتَقَلَّتْ كما هِيَا؟
وقولا له: آأنت رَفَّعْتَ هذِهِ ... بلا عَمَدٍ؟ أَرْفِقْ إذن بك بانِيًا
وقولا له: آأنت سَوَّيْتَ وَشطَها ... مُنيرًا إذا ما جَنَّهُ الليل هاديًا؟
وقولا له: مَنْ يُخرجُ الشمس بُكْرَةً ... فَيُصْبحَ ما مَسَّت مِنَ الأرض ضاحِيًا؟
وقولا له: من يُنْبِتُ الحبَّ في الثّرى ... فَيُصبحَ ممْه البَّقْلُ يَهْتَزُّ رابيًا؟
ويُخْرِجُ مِنْهُ حَبَّهُ في رؤوسه ... ففي ذاكَ آياتٌ لِمَنْ كان واعِيَا
٤٥ - ٤٨. قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (٤٥) قَالَ لَا