للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي التنزيل نحو ذلك: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: ٩٧].

وقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا}.

قال القرطبي: (بأي ذنب عاقبتني بالعمى. {وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} أي في الدنيا، وكأنه يظن أنه لا ذنب له).

وقوله تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}.

قال قتادة: (نسي من الخير، ولم ينس من الشر). وقال مجاهد: (وكذلك اليوم تترك في النار). والمقصود مقابلة الجزاء للعمل، فإن تناسي آيات الله وحججه وأوامره في الدنيا يقابله يوم القيامة تناسي صاحبه في عذاب جهنم.

أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة، وعن أبي سعيد قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يُؤتى العبد يوم القيامة فيقول له: ألمْ أجعلْ لك سمعًا وبصرًا ومالًا وولدًا وسَخَّرْت لك الأنعام والحرثَ، وتركتك تَرْأَسُ وتَرْبَعُ فكنتَ تَظُنُّ أنَّكَ ملاقِيَّ يَوْمَكَ هذا؟ فيقول: لا. فيقول له: اليومَ أنساك كما نسيتني] (١).

قال أبو عيسى: (ومعنى قوله: "اليوم أنساك كما نسيتني": اليوم أتركك في العذاب، وكذا فسَّر بعض أهل العلم هذه الآية: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ} [الأعراف: ٥١] قالوا: معناه: اليوم نتركهم في العذاب).

وأصله في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: [فيلقى العبدَ فيقول: أي فُلْ (٢)! ألم أكرِمْكَ وأُسَوِّدْك وأُزَوِّجْكَ وأسخِّر لك الخيلَ والإبل وأَذَرْكَ تَرْأَسُ وتَرْبَعُ؟ فيقول: بلى أي ربِّ، قال: فيقول: أَفَظَنَنْتَ أنَّك ملاقيَّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني] (٣).

١٢٧ - ١٣٠. قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ


(١) حديث صحيح. أخرجه الترمذي (٢٥٥٨)، أبواب صفة القيامة. انظر صحيح الترمذي (١٩٧٨).
(٢) معناه: يا فلان، وهو ترخيم على خلاف القياس.
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه (٨/ ٢١٦)، كتاب التوبة وقبولها، من حديث أبي هريرة. وانظر مختصر صحيح مسلم - حديث رقم - (١٩٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>