للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنه سبحانهُ وتعالى عاقب الليل والنهار عليهم لينتشروا في نهارهم بالأسفار والترحال، والحركات والأشغال، وليسكنوا في ليلهم من تعب الحركة والانتقال، ولعلهم بذلك أن يكونوا من الشاكرين.

فقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}. قال ابن عباس: (يقول: دائمًا). وقال مجاهد: (قوله: {سَرْمَدًا} دائمًا لا ينقطع).

وقوله: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ}. أي: قل -يا محمد- لهؤلاء المشركين: كيف يكون حالكم لو تابع الله تعالى عليكم الليل دون انقطاع، من معبود يقدر أن يأتيكم بضياء النهار إلا الله المعبود الحق.

وقوله: {أَفَلَا تَسْمَعُونَ}. قال ابن جرير: (يقول أفلا تُرعون ذلكَ سمعكم، وتفكرون فيه فتتعظون، وتعلمون أن ربكم هو الذي يأتي بالليل ويذهب بالنهار إذا شاء، وإذا شاء أتى بالنهار وذهب بالليل، فينعم باختلافهما كذلك عليكم).

وقال القرطبي: ({أَفَلَا تَسْمَعُونَ} سماع فهم وقبول).

وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ}. قال ابن جرير: (فتستقرّون وتهدؤون فيه).

وقوله: {أَفَلَا تُبْصِرُونَ}. قال القرطبي: (ما أنتم فيهِ من الخطأ في عبادةِ غيره، فإذا أقررتم بأنه لا يقدر على إيتاء الليل والنهار غيره فلمَ تشركون به).

قال النسفي: (قرن بالضياء {أَفَلَا تَسْمَعُونَ} لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل {أَفَلَا تُبْصِرُونَ} لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنتَ من السكون ونحوه).

وقوله: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}. هو من باب اللفِّ والنَّشر.

أي: ومن رحمته بكم أيها الناس خالف بين الليل والنهار، فجعل الليل ظلامًا تسكنون فيهِ وترتاحونَ من عناء السعي وتعب التصرف، وجعل النهار ضياءً ليناسب انتشاركم في الأسفار والترحال، والحركات والأشغال.

وقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. قال ابن كثير: (أي: تشكرون الله بأنواع العبادات في الليل والنهار. ومن فاته شيء بالليل استدركهُ بالنهار، أو بالنهار استدركهُ بالليل).

<<  <  ج: ص:  >  >>