تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (٨٢)}.
في هذه الآيات: قصة قارون -صاحب الأموال العظيمة- الذي كان من المفسدين، وكان يتمنى ما عنده كل من حولهُ ولم ينج من فتنة ذلكَ إلا من كانَ من أهل العلم الراسخين. فخرج على قومهِ مستكبرًا متزينًا بالعجب والغرور حتى خسف الله به الأرض ليكون عبرة للمعتبرين.
فقوله: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} - فيه تأويلان:
١ - قال القاسمي: (أي من شاكلتهم في الكفر والطغيان. وقوم موسى، جماعته الذين أرسل إليهم، وهم القبط وطاغيتهم فرعون {فَبَغَى عَلَيْهِمْ} أي بالكبر والاستطالة عليهم، لما غلب عليهم الحرص ومحبة الدنيا، لغروره وتعززه برؤية زينة نفسه).
٢ - قال النسفي: (كان إسرائيليًا ابن عم لموسى. قال: وكان يسمىِ المُنَوِّر لِحُسْنِ صوته، وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة ولكنهُ نافق كما نافق السامري {فَبَغَى عَلَيْهِمْ} من البغي وهو الظلم، قيل: ملكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم، أو من البغي الكبر، تكبّر عليهم بكثرة ماله وولده، أو زاد عليهم في الثياب شبرًا).
قلت: وقيل غير ذلك، وأهمها ما سبق. والعبرة أنه كان قريبًا من قومِ موسى دون يقين راسخ بالله تعالى وتديبر أمور خلقه وشؤونهم، فأتاه المنصب والمال فكانت فتنته فيهما التي أفسدت عليه مصيره، وجعله الله تعالى عبرة لمن يعتبر.
وقوله: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}.
أي: وآتاه الله من وفرة الأموال ما تحتاج العصبة لتنهض بمفاتح خزائنه.
قال ابن كثير: ({وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ} أي: الأموال. {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}، أي: لَيُثقلُ حملُها الفِئامَ من الناسِ لِكَثْرَتِها).
قلت: وأصل تنوء -في لغة العرب- من نوأ. وناءَ فلانٌ بالحِمْلِ إذا نَهضَ بهِ مُثْقلًا. قال الرازي: (وناءَ به الحِمْلُ أَثْقَلَهُ، ومنه قوله تعالى: {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} أي لَتُنِيءُ العُصْبَة بثقلِها).
وقد ورد في التفاسير هنا من المبالغات الكثيرة في وصف تلك المفاتيح دون دليل