للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} - فيه أقوال متقاربة متكاملة:

١ - قال الحسن: (أي لا يسألون سؤال استعتاب كما قال: {وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [النحل: ٨٤]. {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت: ٢٤]. وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ لقوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: ٩٢]).

٢ - قال مجاهد: (لا تسأل الملائكةُ غدًا عن المجرمين، فإنهم يعرفون بسيماهم، فإنهم يحشرون سود الوجوه زرق العيون).

٣ - وقال قتادة: (لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها، بل يدخلون النار بلا حساب).

٤ - وقيل: لا يسأل مجرمو هذه الأمةِ عن ذنوبِ الأمم الخالية الذين عذبوا في الدنيا.

وقيل: أهلك من أهلك من القرون على علم منه بذنوبهم فلم يحتج إلى مسألتهم عن ذنوبهم. ذكره القرطبي.

وقوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}.

قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرًا عن قارون: أنه خرجَ ذاتَ يومٍ على قومِهِ في زينةٍ عظيمةٍ، وتَجَمُّلٍ باهِرٍ، مِنْ مراكبَ وملابسَ عليهِ وعلى خَدَمه وحَشمه، فلما رآهُ مَنْ يريدُ الحياة الدنيا ويميلُ إلى زُخرفها وزينتها تَمنَّوا أن لو كان لهم مثل الذي أعطي، {يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}، أي: ذو حظٍّ وافر من الدنيا. فلما سمعَ مقالتَهم أهل العلم النافع قالوا لهم: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}، أي: جزاء الله لعبادهِ المؤمنين الصالحين في الدار الآخرة خير مما ترون، كما في الحديث الصحيح: [يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٧]).

قلت: وقد امتلأت كتب التفاسير بروايات لا تقوم بها الحجة في وصف الزينةِ التي خرج بها قارون على قومهِ بأشكالها وألوانها وأعدادها وغير ذلكَ مما لا حاجة إلى معرفتهِ، وإنما يكفينا العبرةُ بإجمال القرآن، وأنها زينة عظيمة بهرت العيون وشغلت

<<  <  ج: ص:  >  >>