للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرض وإسباغ نعمه عليهم الظاهرة والباطنة، ومقابلة كثير منهم نعم ربهم بالجدل والتنطع وتعظيم الأعراف ودين الآباء الفاسد ومنهج الشيطان الذي يدعوهم إلى عذاب السعير. إنه من يخلص العبادة لله فقد سلك سبيل النجاة، ومن يكفر فإن عذاب الله شديد.

فقوله: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.

قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: {أَلَمْ تَرَوْا} أيها الناس {أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} من شمس وقمر ونجم وسحاب {وَمَا فِي الْأَرْضِ} من دابة وشجر وماء وبحر وفلك وغير ذلك من المنافع، يجري ذلك كله لمنافعكم ومصالحكم لغذائكم وأقواتكم وأرزاقكم وملاذكم، تتمتعون ببعض ذلك كله، وتنتفعون بجميعه).

وقوله: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}. قال مجاهد: (هي لا إله إلا الله). وكذلك قال ابن عباس، ثم قال: ({ظَاهِرَةً} يقول: ظاهرة على الألسن قولًا، وعلى الأبدان وجوارح الجسد عملًا. وقوله: {وَبَاطِنَةً} يقول: وباطنة في القلوب اعتقادًا ومعرفة).

قال ابن كثير: (وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة من إرسال الرسل وإنزال الكُتب، وإزاحة الشبَه والعِلَل، ثم مع ذلك كله ما آمن الناس كلُّهم، بل منهم مَنْ يُجادِلُ في الله، أي: في توحيده وإرسال الرسل. ومجادَلَتُهُ في ذلك بغير علم، ولا مستند من حُجَّةٍ صحيحة، ولا كتاب مأثور صحيح، ولهذا قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ}، أي: مُبين مُضِيء).

وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}.

أي: وإذا دعي هؤلاء الذين يجادلون في توحيد الله وإفراده بالعبادة إلى ما أنزل الله على رسوله من الحجة البالغة والفرقان العظيم، اعتذروا باتباع دين الآباء وتقليد الأسلاف في جاهليتهم، يظنون أن معهم في ذلك التوارث العصمة من الضلال. قال تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ} في تزيينه ذلك المنهج الفاسد لهم إلى صلي عذاب النار وسعيرها ولهبها يوم القيامة.

وقوله: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}.

قال ابن عباس: (لا إله إلا الله). والمقصود: ومن يخلص العبادة لله تعالى منقادًا

<<  <  ج: ص:  >  >>